قد تكون هذه التدوينة مجرد رحلة في الذاكرة الشعبيّة السوريّة في العقد الأول من القرن 21 لتذكّر بعض مظاهر التديّن الإسلاميّة التي راجت في السنوات العشر الأولى من هذه الألفيّة، وطبعاً كان لوصول التكنولوجيا وانتشار الكومبيوترات والستلايت في البيوت دور كبير في هذا، ولرُبّما يخطر لنا سؤال مبدئي لماذا إسلاميّة فقط والجواب هو أنني عشت في وسط إسلامي محافظ ولاحظت من خلاله.
حاولتُ مع مجموعة من الأصدقاء تذكّر بعض هذه المظاهر، وهنا أقوم بتقديمها دون أخذ أي موقف مع كلّ الإحترام لطريقة أي شخص بالتقرّب من الله:
المكتبات الخشبيّة الجاهزة التي توضّعت في غرف الجلوس والصالونات والمليئة بالكتب الدينيّة ذات التجليد الفاخر والعناوين التقليدية، كانت تباع بشكل أساسي من خلال صفحات الجرائد الإعلانيّة الأسبوعيّة والبيع أغلبه كان بالتقسيط الطويل والمريح، وأصبحت في وقت قصير هذه المكتبات من أدوات التفاخر بين العائلات حتى أن بعض العائلات التي أعرفها لم تفتح هذه الكتب مطلقاً، المهم أنها موجودة لديهم وتوضّعت في الصالون.
المصحف الإلكتروني الذي يشبه شاشة الكومبيوتر ويوضع أمام سجادة الصلاة ويُستخدم من خلال ساعة توضع على اليد ومن خلالها يستطيع المصلّي التقليب بين الصفحات وتكبير الخط وختم الأجزاء وغيرها، هذا المصحف اهتمّت به العائلات الأكثر تديّناً بالدرجة الأولى وقد توفر بألوان وأحجمام ومواصفات مختلفة، وكان الأشهر مصحف المنير ذا اللون الحديدي.
القرآن الكريم في الصندوق الجميل كواحدة من هدايا المناسبات، لابدّ أنّ أي عائلة مسلمة سوريّة حصلت على صندوق خشبيّ أنيق وُضع فيه مصحف، يصلُح هذا الصندوق الحافظ للمصحف لأن يُوضع في غرف الجلوس وهو مزخرف وجميل وعند فتحه تظهر آية قرآنيّة منتقاة في جوف الغطاء، تم تداول هذه الهديّة كثيراً بين العائلات وخصوصاً في مناسبات النجاح في شهادات التعليم الأساسي والثانوي، والطريف أن بعض العائلات كانت تُعيد اهداء الهدية كونها حصلت عليها عدّة مرّات.
عداد التسبيح الإلكتروني، ليس شيئاً جديداً انتشار عدادات التسبيح بين النساء في سورية لكنّ الجديد كان تحوّلها من العدادات الميكانيكيّة ذات اللون الفضي إلى العدادات الإلكترونيّة الملوّنة والتي تعمل ببطاريّة الساعة، فُضّلت هذه العدادات لأنها لا تصدر أي صوت وناعمة توضع بين الأصابع بسهولة وقد توفرت بألوان وأشكال مختلفة وبأسعار شعبيّة، فقد كانت بشكل أساسي تباع على البسطات.
متابعة الفضائيات الدينيّة، مع انتشار الستلايت والديجيتال خُلقت منافسة غير مُعلنة بين قنوات الموسيقى والفيديو كليب والفضائيات الدينيّة التي بدأت بتمويل كبير تبث البرامج الإسلاميّة بطريقة محببة وتحاكي احتياجات الناس بالنسبة لبرامج الفتاوى وفقرات تجويد القرآن الكريم الجميلة، حتّى أنّ بعض القنوات افتتحت قنوات توأم خاصّة بالقرآن على مدار الساعة، وقد اشتهر من هذه القنوات اقرأ والمجد والعفاسي والناس وغيرها.
أغطية الصلاة الملوّنة للنساء، ترتدي النساء تفضيليّاً أثواباً خاصّة أثناء أداة الصلاة، ولرُبّما اعتادت بعض الأمهات أن تُبقي على رداء الصلاة في الأوقات بين صلاتين مثلاً، واللون المتعارف هو الأبيض لكنّ ألواناً جديدة كلّياً انتشرت لأغطية الصلاة إلى جانب الزخارف النباتيّة في الأطراف، وظهرت أغطية صلاة للفتيات الصغيرات أيضاً ذات ألوانة وزخارف مُحببة لتشجيعهنّ على الصلاة والعبادات.
مجموعة كاسيتات القرآن الكريم، وتعتبر من الهدايا القيّمة التي كان يُحضرها الحجيج معهم إلى سورية وأشهر المجموعات كانت بصوت الغامدي أو السديس وهي عبارة عن علبة بلاستيكيّة لها شكل الكتاب تحوي مايزيد عن 20 كاسيت مقسّمة بحسب الأجزاء، وفي وقت قليل راجت مجموعات الأقراص المدمجة بذات الشكل وخاصّة مع انتشار مسجلات السيارات والبيوت التي تشغّل أقراص مدمجة.
فرق الأناشيد الإسلامية، والتي انتشرت بشكل كبير لمناسبات الموالد النبوية وحفلات الخطوبة والأعراس والشفاء من الأمراض، وقد اشتهرت فرق عديدة صار لها صدى اقليمي مثل فرقة الإخوة أبو شعر وقد درجت عادة احضار الفرق المشهورة كنوع من التباهي والتفاخر حيث تقدم هذه الفرق أناشيد اسلاميّة موروثة تمدح النبي محمد والدين الإسلامي.
تطبيقات الصلاة التي انتشرت عبر أجهزة النوكيا بداية، وهي التي تعطيك الأوقات المحددة للصلوات اليومية وتتضمن خيارات التنبيه والرنين والأذان عند حلول الوقت، وقد راجت هذه التطبيقات على موبايلات الرجال خاصّة وكان من الطبيعي أن يبدأ الموبايل بالأذان قبل أبو بعد المسجد بدقائق، لاحقاً مع بدء استخدام نظام الاندرويد ظهرت تطبيقات أكثر تطوراً ودقة بالتزامن مع تراجع انتشار استخدامها.
توزيع الإمساكيات الرمضانيّة للماركات التجاريّة المتوسطة والكبرى، فأصبح من الطبيعي أن تجد لديك وقبل رمضان بعدّة أيام إمساكيات مختلفة وهي عبارة عن بوستر يتم تعليقه على الحائط كمساعد على معرفة أوقات الصلوات والأذان وخصوصاً الفجر والمغرب بالدقائق، وكم من امساكيات سبّقت يوم أو أخّرت يوم نتيجة عدم رؤية الهلال، بالطبع فإن الإمساكية نصفها إعلان قد يكون لملحمة مثلاً ونصفها الآخر صورة مسجد مع عبارة اسلامية والأوقات ضمن ثلاثة مربعات صغيرة.
التبرعات العينيّة للمسجد، راجت فكرة التبرعات العينيّة بالأدوات الحديثة مثل برادات المياه الستالس ستيل ولاحقاً كولر المي الصغير وقد درجت كتابة اسم الموقف على روحه أعلى الحنفيّة، أيضاً المكيفات الطولانيّة البيضاء وذات القدرات العالية التي درج التبرع بها لتوضع في أطراف المسجد، أيضاً تبديل سجادات المسجد القديمة بسجّاد موحد النمط والألوان وغالباً ذو لو أحمر قاتم أو عفني أي أخضر غامق، بالإضافة للوحات الإلكترونيّة في المسجد والتي توضّح أوقات الصلاة والإقامة والتاريخ.
سجادات الصلاة المحمولة، وقد راجَت قماشات بحجم سجادة الصلاة عليها رسم مزخرف إسلامي بعدّة ألوان يمكن طيّها وايداعها في جيب محبب صغير ووضعه في الحقيبة الشخصيّة للسيدات، وقد راجت بين السيدات والفتيات على الخصوص اللواتي التزمن دينيّاً بلباس إسلامي بعد بلوغهنّ سنّاً معيّناً مثل المانطو الطويل والعباءة والمانطو القصير.
البرامج التثقيفيّة الإسلاميّة على الكومبيوتر والتي انتشرت بشكل واسع مثل الموسوعة الإسلامية وضمّت كتب الكترونية اسلامية وأرشيف فتاوى ومسابقات ثقافية دينية لليافعين وصور إسلامية وأناشيد وفيديوهات ومعلومات عن المعالم الإسلامية وكل ما يخصّ الثقافة الإسلامية، سرعان ما تحولت هذه البرامج الشعبيّة إلى مواقع وطبعاً كان لكل برنامج تبعيّة دينيّة ومذهبيّة ما.
طيور الجنّة، عصومي ووليد وأهلهم وهي قناة أطفال ذات توجّه إسلامي محافظ، تبث من الأردن وقد تميّزت أغانيها بالإيقاع والكلمات المشهورة وحملت قيم مختلفة تأديبية وأخلاقيّة بطابع إسلامي كان محبباً للبعض ومنفراً للبعض الآخر.
نغمات رنين الموبايل الإسلاميّة مثل إلا صلاتي ما أخليها وغيرها والصور والخلفيات ذات الطابع الإسلامي مثل صور الكعبة أو صور برتقالة عليها ما يشبه كلمة الله كخلفيات للموبايلات التي زاد انتشارها وقتها مع مقاطع من القرآن الكريم للحجيج والصلاة والكليبات الإسلامية للعفاسي مثلاً.
انتشرت أسماء الأطفال من التراث الإسلامي بشكل أكثر من قبل، وكانت العبارة المشهورة عند قرار تسمية ولد جديد هي خير الأسماء ما حمّد وعبّد وكان من الطبيعي أن تجد عائلة وأسماء أولادها محمد وأحمد ومحمود مثلاً، وأيضاً الأسماء المنطبقة على الصحابة وآبائهم مثل أنس بن مالك وخالد بن الوليد وغيرها.
توزيع كتيّبات سورة ياسين وآيات من القرآن الكريم وانتشار فكرة حقيبة أجزاء القرآن التي تُعلّق في الحائط ونادراً ما يتم فتحها، كما وتوزيع الآيات القرآنيّة ذات اللون المذهّب والتي توضع كصمديات في الصالونات ضمن علبة مخمليّة حمراء أو خضراء، وطبعاً فإن العائلات الميسورة كانت توزّع مصاحف في العزاء طبع على أول صفحة فيها من الداخل طلب الرحمة لروح فلان والعائلات الأقل اقتداراً توزّع سورة ياسين أو أوراد صغيرة مثل الحصن الحصين وغيره.
الدعاة الشباب، من خلال الفضائيات ظهرت عدد من الأسماء الشابة كدعاة معظمها من مصر مثل عمرو خالد والذي قام بعدّة مبادرات على مستوى العالم الإسلامي مثل طلبه من الشباب طباعة بروشورات ضد ادمان المخدرات ووضعها في الصيدليات والمحلات وكانت هذه البرامج التلفزيونيّة متابعة بشكل كبير حيث قدّمت بطريقة مودرن وبدون لباس إسلامي للمرة الأولى ربّما.
ربط تشغيل السيارة ببدء دعاء السفر، سبحان الذي سخر لنا هذا..، انتشرت هذه العادة بين أصحاب السيارات المتدينين وكذلك أصبحت التعليقة في مرآة السيارة تتضمن آية قرآنيّة أو حديث نبوي أو ربّما توضع مسبحة كمنظر ومؤشر ديني، وهذا بالطبع بوجود المصحف الذي ربّما لم يفتح أبداً ويتم وضعه عند شراء السيارة على التابلوه الأمامي تحت الشمس فيتغيّر لون جلده ويبقى في محلّه كبركة من الحوادث والمصائب.
السبحات الملوّنة بلاشك انتشرت بشكل كبير بألوان متعددة وأطوال مختلفة ورغم أن الحجيج العائدين كانوا يقدمونها كهدايا إلا أنها وإلى جانب سجادات الصلاة والتلفزيونات الصغيرة للأطفال التي فيها صور الكعبة كان يتم شراؤها من محلّة المسكيّة بجانب الجامع الأموي بدمشق حيث تأتي بعد أن تصنّع في الصين أصلاً، وقد انتشرت فكرة مرافقة اللحامين حيث يحق للحامين المشاركة برسوم مخفضة أو مجانية مع المجموعات لنحر الخواريف واتمام مناسك الحج وكثيراً ما اصطحبوا أناساً كمساعدين يرغبون بالذهاب ولايملكون القدرة المالية.
أيضاً ديكورات المنازل خصوصاً الصالونات انتشرت فيها أقواس الجبس ذات النمط الإسلامي أو الشرقي والذي تضمن أيضاً آيات قرآنيّة أو كلمتي الله ومحمد وأحياناً أشكال نخيل أوعبارة ماشاء الله محفورة بالجبس، وترافق هذا مع انتشار الملصقات الدينيّة التي تحض على الذكر والإستغفار وتعد من يقوم بإعادة توزيعها بالبركة والخير، كذلك انتشرت ملصقات تحمل قصص تحذيريّة غير موثوق في صحتها وملصقات فيها أدعية لكل شيء من دخول الحمام وخروج البيت وغيرها.
ولم تكن صلاة التراويح بمنأى عن المتغيرات هذه، فقد ازداد ارتياد النساء لها مع توسع مساحات النساء في سدّة المساجد خاصّة ومع انتشار دروس الدين للسيدات في المساجد والبيوت، وكثيراً من كانت هذه الدروس كمساحات لقاء للأمهات الباحثين عن فتيات ملتزمات دينيّاً لتزويجهنّ لأولادهن وزاد هذا في صلاة التراويح واحياء ليلة القدر.
كانت هذه مجموعة من المظاهر ولاشكّ أن هناك الكثير لم ألحظه، ومن المنطقي تباين المظاهر من مدينة إلى قرية إلى حي، فهل مازلتم تتذكرون المظاهر الدينية من حولكم لذات الفترة؟
وسيم السخلة
Leave a Reply