يلزمُ سورية أشياء كثيرة، من أبرزها تجربة المستخدم وأسميها هُنا تجربة المواطن، تغيب مع الوقت وتُنسى تماماً في بلد مأزوم منذ تأسيسه، مُحاصر دوماً يعيشُ مواطنوه الانتظار أبداً.
تعرفُ تجربة المستخدم بأنها كلّ ما يرتبط بسلوك وموقف وإحساس المستخدم حيال استخدامه منتجاً أو نظاماً أو خدمةً معيّنة. وأنا هُنا أقترحُ تعريفاً لتجربة المواطن يشبهُه، فهي كلّ ما يرتبط بسلوك وموقف وإحساس المواطن حيال تعاملاته الحكوميّة والرسميّة.
ولكي لانغرق في التنظير الإداري لنأخذ مثال تحدّي النقل العام في سورية، وهذا تحدٍّ لايُدركهُ مسؤولوا بلد يُقدّم سائقين وسيارات وقسائم محروقات مُجزية لكثير من موظفيه في المؤسسات العامّة والمنظمات الشعبيّة أيضاً. كما يمنحُ الوزراء وغيرهم من المسؤولين قي مستويات مختلفة صلاحيّة التصرّف في توزيع السيارات الموجودة في المؤسسات باعتبارات مختلفة ومتنوعة، منها الولاء ومنها الضرورة ومنها المحسوبيات نفسها.
هذا مثال بسيط يجعلُ من استخدام وسائل النقل العامة في سورية مسألة تخصّ العامة فقط، فالمسؤولون بالفعل لايدرون عن التحديات اليوميّة للتنقل في سورية، حتى معظم أولادهم يحظون بسائق فلا يمرّون في هذه التجربة وإلا لما كان الوضع عليه!
كذلك هُناك من يُنجزُ للموظفين الحكوميين معاملاتهم الرسميّة أغلب الأحيان، فلايُدركون صعوبة مشي شارعين لإحضار طابع أو العودة في اليوم التالي، أو انتهاء الدوام بالنسبة لموظف عند الساعة 12 أو لتصوير هويّة للمرّة الألف، أو لشراء مُصنّف سحاب أخضر مقيت، لانحنُ نُحسنُ استخدامه، ولا نحنُ نلغيه ولو وصل التحول الرقمي مواصيله.
الأمرُ لايتعلّقُ بالمسؤولين بالمعنى المُسلسلاتي السوري للكلمة أي أصحاب المناصب والبدلة الرسميّة والمكاتب الخشبيّة العريضة والجرس الالكتروني، بل نعني هُنا كلّ مسؤول في كلّ مستوى، المُعلّم مسؤول الصف الذي لم يجلس مرّة واحدة في مقعد طالبه، والمديرُ في المدرسة الذي لم يُجرّب مرّة استخدام حمامات المدرسة، وشرطي المرور الذي لم يُجرّب مرّة أن يوقفهُ شرطي لأجل اللاشيء بلا أسئلة بلا أجوبة بلا تحيّات فقط لأخذ رشوة باتت أهمّ من مُرتّبه.
كذلك مسؤلوا المنظمات الشعبيّة الذين نسيو فور انتخابهم أو تعيينهم أن يُمثلون الشرائح لا الحكومة، ومشاكلهم التي يسعون لحلّها هي مشاكل من انتخبهم، لا من انتقاهم، وكذلك المسؤولون المحليّون في البلديات، هؤلاء مالذي حصل لعيونهم؟ فلا ترى الحُفر في الطرقات ولا تسوءها القمامة وتراكمها ورائحتها ولا تعنيهم مشاكل الأحياء الكثيرة التي كانوا يعرفونها جيداً ويعتبرون حلولها تحصيل حاصل وصاروا يحتاجون توجيهاً لحلّها أو استقبال وفد شعبي لوعده بحلّها، دون حلّها أبداً.
ينقُص المسؤولون في سورية اجراء تجربة المواطن، أي أن يتخلّوا عن مكانهم ليوم واحد، لساعة واحدة، لاختبار اجراء معاملة في مديرياتهم أو وزاراتهم، ليختبروا تعامل بعض الموظفين، ليختبروا صعوبة الذهاب والعودة والانتطار وتعطّل الشبكة وغياب الكراسي وقذارة الممرات وصعود الأدراج المظلمة وطلبات الموظفين وروائح سجائرهم الكريهة وقدرتهم على استلاب أموالك ووقتك ومواطنتك، نعم فحُبُّ سورية يهزّهُ موظف حكومي يدفعُ بك بعيداً لأنه مشغول بدردشة تافهة أو مهمّة على الواتساب في وقت عمله، أو لأن مديره المباشر زجرهُ أو لأن زميله أخذ اجازة طويلة وهو يقوم بأعماله مُكرهاً.
بالفعل لو توجه المسؤولون لتجربة المواطن لما احتاجوا اجتماعات كثيرة للتخطيط والإدارة، ولا لزمهم خبراء ومستشارون ودورات داخليّة وخارجيّة، لو ينزلوا إلى مؤسساتهم نفسها ويمشون أمتاراً قليلة لصاروا قادرين على معرفة المشكلات وكلّ الحلول، ولما لزمتهم الاجتماعات الطويلة المريرة، ولاستغنوا عن سماع تقريع النواب والصحافيين صباح مساء.
قال رئيس الحكومة قبل أيام داعياً وزراءه لضرورة التفكير خارج الصندوق، وهذا أمرٌ حسن، لكن ماذا لو فكّروا من داخل الصندوق أولاً، من مباني وزاراتهم نفسها، ومن مديرياتهم القريبة والبعيدة، ماذا لو أحصوا كمّ أطنان الأوراق المهدورة، والمصنفات الضائعة، والحبر المُسال اسرافاً في صور هويّات وأختام وتواقيع وتصديقات لا أحد يُدققها ولا يُصدّقها، ماذا لو أدركوا حقيقة المنصات الالكترونيّة للخدمات وجرّبوا اصدار جواز سفر بدور عادي يتعذّر اصدارهُ إلا بواسطة سمسار، الكتروني هذه المرّة وربّما لكلّ مرّة قادمة.
نعم، المسؤولون في سورية أبناء مؤسساتهم وهيئاتهم ومنظماتهم نفسها على الأغلب، لكننا لاندري ماذا يحصلُ معهم منذُ اليوم الأول للسلطة، انهم لايتغيّرون فحسب بل ينسون تماماً ما اختبروه وهذا أمرٌ مُريب على الحكومة التعاقد مع خبراء طاقة وإدارة لمراجعته، هل هو مسٌّ حكومي أو هو فايروسٌ سلطويّ، أم انهُ ضغط عمل كبير يلزمُ مسؤولاً بتوقيع آلاف الأوراق كلّ يومين؟ واذا كان كذلك فمتى تفوّض السلطات؟ ومتى لا تكون حاجة لدوام مسائي يداومهُ بالفعل أكثر موظفو الدولة سواء في مكاتبهم أو في مكاتب الآخرين.
إنّ تجربة المواطن ليست اختراعاً جديداً بل عرضها مسلسل تلفزيوني محلّي منذ 1996 باسم يوميات مدير عام، منذ 28 سنة لليوم، كم مسؤول حكومي فعلها؟
وسيم السخلة
13/11/2024