لتعارفوا.. اكسبو 2020
قبل أن تقرأ/ي
هذه تدوينة طويلة، أو لنقل حديث طويل يحتوى على عشرات الصور وآلاف الكلمات التي لن تكون بحال من الأحوال قادرة على تقديم حدث اكسبو دبي بما يليق به، إنها مجرّد محاولة أنقل فيها لبعض المتابعين بعض الأجوبة عن أسئلتهم عن هذه الرحلة، إنّ معظم الصور تمّ أخذها في حالة دهشة ولذلك هي غير احترافيّة وغير شاملة وقد تكون أُهملت أهم العناصر أثناء التقاطها، أشجّع جداً على العودة إلى: موقع اكسبو لكسب زيارة افتراضية ومتابعة صفحة انستغرام اكسبو لعيش تحديثات آنيّة للأحداث
أبداً بكتابة هذه التدوينة وعلى جانبيّ آلاف الأشخاص الذي لايُشبه أحدهم الآخر، أشاهد عشرات الجنسيات والألوان، ألف طريقة في ارتداء الثياب، ألف ذوق في انتقاء ألوانها.. من حولي العالم وأنا وسطه الآن، ساحة الوصل – اكسبو2020
حضرت عشرات المعارض المحليّة في سورية ولبنان التي ألصقت باسمها كلمة اكسبو، لكن عندما سمعت بإكسبو العالمي للمرة الأولى كان ذلك قبل سنتين، حيث كانوا يعلنون تأجيله بسبب انتشار كوفيد-19 والإجراءات الاحترازية التي لجأت إليها كلّ البشرية حين توقف العالم واختبر شكلاً جديداً من السجن الكبير معاً
في الشهور التالية توالت الأخبار عن تأجيل اكسبو وعن التحضيرات الضخمة التي كانت تحضّر، وحتى يومها لم أفكر في زيارته، لأنه كان شيئاً غير أكيد الحدوث ولم نكن نعرف اليوم التالي أي فيروس سنحمل ونحن في بيوتنا، أتذكرون تلك اللحظات حين كنّا نغسّل أكياس الشيبس ونفتح الأبواب بأكواعنا؟
مضى وقت طويل نسيت فيه الموضوع، عندما عدّت إلى سورية خلال الأشهر الماضية بعد سنوات من الإقامة في بيروت شعرت بأنّ الجائحة قد انتهت بالفعل، فلم أشاهد كمامة واحدة وكان تعبير “مكورن” يشبه تعبير “والله متغدي وجاي” بين السوريين، الحبيباتي طبعاً.
في نهاية العام بدأت بمراجعة للسنة، وكانت كأنها مراجعة للسنتين الماضيتين حيث اتصلتا بشكل غير مفهوم، تذكرت الرحلات المعدودة التي كان يجب أن أكون فيها لأغراض دراسيّة أو تدريبيّة وبعضها كان في مرحلة حجوزات الطيران وألغيت فجأة بسبب انتشار كوفيد-19. هنا لمعت الفكرة للمرّة الأولى، لماذا لا أزور العالم في مكان واحد..؟
قلت لأصدقائي أنني سـأحضر اكسبو في شهر شباط فقالوا أي منحضر، وبدا ذلك حديثاً من نوع “خلص بدنا نزبطا” السوري المعتاد. أخذت بإقناع أصدقائي بالسفر لملاقاة العالم، بدا ذلك مكلفاً جداً فبدأنا بحساب التكاليف، وقد تحولت النكات التي أضحكت عليها أصدقائي حول أننا سنشتري علبة جبنة للعشاء والفطور أمراً واقعاً بعد أسابيع فقط.. حين نزلنا في فندق بعيد وسط ضاحية صحراويّة ستصبح خلال أشهر احياءاً مدينيّة تماماً
بدأنا بالبحث عن ارخص تأشيرة دخول، وأرخص تذكرة طيران وأرخص فندق وأرخص تأمين صحي، حمّلنا جميع تطبيقات الوصول السريع في دبي.. لنفاضل بين المترو والترام والباص والتاكسي، بدأت المصروفات تتوالى وتزيد.. ازدادت بعد أن كان القرار قد اتخذ.. سنذهب إلى اكسبو
حجزنا لاختبار كوفيد-١٩ رغم أننا جميعاً من أوائل متلقي اللقاح، لكنها شروط الامارات التي لا تعترف بالاختبار السوري أصلاً، وتجري لك اختباراً فور الوصول، لكن في ذات الوقت تطلب اختباراً سلبياً قبل ركوب الطائرة إليها..
ظهرت نتيجة الاختبار سلبيّة لي ولغيث كما هو متوقع، فنحن من أوائل متلقي اللقاح، لكنّ نتيجة علاء وأنس تأخرت، ثم ظهرت ايجابيّة.. بهذه البساطة تكركبت الرحلة تماماً، لقد قضينا أوقاتاً طويلة في الأسبوع السابق معاً، وليس هناك أي أعراض على علاء على الأقل.. لكنها النتيجة التي لا يمكن تغييرها.. لن يسافر الشباب معنا حكماً في الغد.
اتخذنا قراراً بتأجيل حجز الفندق لأسبوع على أن ننطلق أنا وغيث في موعدنا وننزل في منزل أقاربه بالخليج التجاري وسط دبي.. وعلى أن ننتظر الشباب أسبوعاً اضافيّاً لينضموا لنا في التجربة..
لنتحدث عن ماهيّة اكسبو أولاً
اكسبو تعني المعرض وهي مشتقّة من الفرنسيّة، تقام معارض اكسبو الدولية كل خمس سنوات وتستمر لفترة أقصاها 6 أشهر حيث تستقطب ملايين الزوار، ويرجع إقامة هذا المهرجان إلى القرن السابع عشر، مروراً بثلاثينيّات القرن الماضي حين تمّ إنشاء المكتب الدولي للمعارض، وهذه المرّة في 2020 هي الأولى في تاريخ تنظيم معارض اكسبو الدولية التي يتم استضافتها في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا. تهدف هذه المعارض لتثقيف الجمهور واشراكه في الرؤية المستقبليّة في مختلف المجالات، وتعتبر دوليّة حيث تشارك بها الحكومات والدول والجمعيات، والمؤسسات والشركات والهيئات
الامارات واستضافة اكسبو 2020
تفوَّقت دبي في التصويت لاستضافة المعرض على ساو باولو البرازيلية ويكاترينبرغ الروسية وإزمير التركية، إذ حصلت على تأييد 116 من أصوات أعضاء المكتب الذين لهم حق التصويت، والبالغ عددهم 164، ودبي كما هو واضح منذ سنوات تسعى لتكون الفضاء المشترك الجديد الذي يتيح التواصل والابتكار للدول، وهي اليوم بالفعل أخذت مكان عدة عواصم محيطة مختلفة رغم عمرها الذي أطفأت شمعته الخمسين قبل أشهر فقط، بالتالي هذه المدينة تفوقت بالفعل على المدن التاريخية والكبرى في الشرق فباتت اليوم تستقطب العالم، وباتت عاصمة العالم العربي بالنسبة لكثير من الشعوب والدول الأخرى
أعدّت دبي جيداً لهذا الحدث الضخم، أقيمت مدينة اكسبو كما يروق لي تسميتها على مساحة 438 هكتار في مركز دبي التجاري في الطرف الجنوبي الغربي لإمارة دبي، يتميز مكان المعرض بموقعه الاستراتيجي على مسافة واحدة بين إمارتي أبوظبي ودبي، وقربه من مطار آل مكتوم الدولي الجديد، وميناء جبل علي الذي يُعدُّ ثالث أكثر الموانئ نشاطًا في العالم. كما يتمتع موقع المعرض بمزايا لوجستية واضحة بالنسبة للعارضين الذين سيقومون بجلب المواد وبناء الأجنحة، أو بالنسبة للزوار من حيث سهولة معرفة الموقع والوصول إليه
الجديد في المعرض الدولي منذ قيامه هو ترجمة شعاراته وقيمه إلى واقع ملموس، ما يساهم في إحياء الرسالة التثقيفية لمعرض «إكسبو». وتُعدُّ «قاعات ومختبرات الابتكار»، بالإضافة إلى «الوصل بلازا»، من أبرز المعالم التي طورها «إكسبو دبي الدولي 2020» في هذا المجال. ويضمن الشكل الدائري لخريطة الموقع والتوزيع المنسق لقاعات وأجنحة العرض حول مركز الموقع، والذي تم تصميمه بوحي من شكل السوق التراثي العربي، رؤيةً جلية لجميع قاعات العرض. ويحتل مفهوم الاستدامة صدارة الأولويات، حيث وضعت أهداف طموحة لتطبيقاته، تشمل توليد 50 بالمئة من الطاقة التي يحتاجها المعرض في الموقع نفسه ومن مصادر قابلة للتجديد وبطريقة لا ينتج عنها أي انبعاثات للكربون
قبل أن تبدأ دبي بعرض خدمات الإستضافة كانت متأكدة أنّ لديها الإمكانيّة، نحن نتحدّث عن مطارات وفنادق وخطوط مترو جديدة وموانئ وآلاف الأطنان من البضاعة وآلاف الأفكار والأنظمة الذكيّة ومئات آلاف العمال والموظفين، الحديث هنا عن استضافة العالم، ياللهول كم كان ذلك ضخماً
هل هي رحلة سهلة عليّ؟
عملت دبي على أن يكون اكسبو سهل الوصول، وفرت عروض طيران وخدمات فندقيّة لملايين الزوار، بالطبع فإن تكاليف الوصول والإقامة في دبي هي مرتفعة جداً إذا ما قورنت بالدخل والقوة الشرائيّة داخل سورية، وقد لاحظت هذا من كون التكاليف على من تعرّفت إليهم من جنسيات أخرى عاديّة ومقبولة، لكن مثلاً متجر التذكارات في اكسبو أرخص تذكار لديه وهي بطاقة بريدية قد يبلغ سعر 4 منها راتب موظف بمنصب مدير عام في سورية!
أيّام الدهشة!
الدهشة هي رفيقة الزائر في اكسبو، في البداية فإن الشارات الصفراء التي تشير لإكسبو وطريق اكسبو تجدها في كلّ مكان، في أيّ دكان ستجد فيه جوازات سفر اكسبو وهو اصدار خاص تذكاري يمكن لأي أحد شراءه..
اذا قبل الوصول لإكسبو أنت موعود بالسفر حول العالم، إنها الفكرة الأساسيّة، تجتمع دول الكرة الأرضية اليوم لتقدّم لك أجمل ما تعتقده عن نفسها، لتقول لك عن ماضيها، لتُريك الحاضر، والبعض سيدفعك لتكون جزءاً من مستقبله..
في المترو تجد الآلاف يتوجهون معك، الجميع ينتظر الوصول، على الرغم من الطريق الطويل والازدحام لكنّ الجميع متحمّس، كيف لا والكل يعرف أنّه سيُلاقي العالم..
تخيّل أن تستقبلك عشرات الابتسامات الملوّنة، في الوصول تستقبلك الضحكات، هذه المرّة ليست وجوهاً تعرفها، عشرات الجنسيات من المنظمين الذين هم من أمم كثيرة لم نعرفها قبلاً.. ربّما لم نسمع بها حتّى.
توجهنا لشراء التذاكر، وجدنا طابوراً صغيراً فضل الشراء بشكل مباشر وليس أونلاين، اشترينا التذكرة الموسميّة التي سيتمّ تخفيض سعرها في اليوم التالي للربع فقط! لكن ربحنا معها بطاقة خصومات جيدة القيمة في مجموعة مطاعم بداخل اكسبو، أخذنا الخريطة من روبوت يذهب ويأتي على عجلات متوسطة، توقفنا تحت أعلام الدول في المدخل، وبدت رهبة اكسبو مختلفة، نحن هنا الآن!
أخذنا الصورة التذكاريّة الأولى.. كانت الشمس ساطعة والعيون تلمع، بالمناسبة إنها المرّة الأولى منذ بداية كوفيد-19 التي أرى فيها هذا الالتزام الجماعي بوضع الكمامة، والذي سيستمر كلّ الأيام.. ليس هناك من فرصة لخلع أو زيح الكمامة عن الفم والأنف، حكماً خلال ثواني ستجد روبوت يحذرك أو منظّم يشير لك بلطف لإحكامها.
من المدخل إلى ساحة مدهشة مدوّرة مسقوفة تسمّى الوصل، يالله ما أجمل هذا المفهوم، يقدم اكسبو دبي نفسه كونه الوصل بالحلقات بين كلّ الدول والجنسيات، وسقف الساحة مصمم كحلقات الشعار، حلقات متجاورة متنوعة تشكل نوراً يتوسع وكأنه شمس تنتشر فيها الحلقات نفسها وقد تغيّرت أحجامها..
تقع ساحة الوصل في قلب الموقع، لتشكل حلقة وصل بين مختلف أجزائه وتتميز بقبتها الاستثنائية التي توفر شاشة عرض بانورامية بنطاق 360 درجة، وهو ما يمنح الزوار تجربة غامرة يمكن مشاهدتها من الداخل والخارج على حد سواء
استلهم تصميم شعار expo 2020 من قطعة أثرية عُثر عليها أثناء واحدة من عمليات التنقيب في موقع صاروج الحديد الأثري في الإمارات، حيث تتميز هذه القطعة بقيمة خاصة، وهي عبارة عن حلقة ذهبية تمتد جذورها إلى مئات السنين، وتعبّر بأن الإمارات كانت وما زالت ملتقى للحضارات والثقافات المتنوعة.
وتصل الساحة – الوصل بين مناطق الموضوعات الثلاثة للحدث وهي: الفرص والتنقل والاستدامة، وهي الوجهة الرئيسية للعديد من الأحداث والفعاليات.
وتشكل الشبكة الفولاذية لقبة ساحة الوصل نسخة ثلاثية الأبعاد لشعار إكسبو 2020 بارتفاع 67.5 متر وعرض 130 مترا وتزن 2544 طنا، وتتكون من 1162 قطعة من الفولاذ، تم تجميعها في 600 جزء في مصانع بإيطاليا وأبوظبي
في ساحة الوصل أنت مجبر للتوقف، إنها لحظة انبهار مفروضة، ضروريّة، غير اختياريّة، ففي الوصل وخلال أغلب الأوقات هناك عروض صوتية ومرئيّة مبهرة، والمقاعد مصممة لتكون غير مرئيّة او مرتفعة، أنت لا تقرر أن تأخذ مقعداً، بل أنت حين تدخل الوصل تصبح جزءاً من العرض والألوان والأصوات، إنّ وجهك ولونك وملابسك وهؤلاء الآلاف مثلك هم مفهوم الوصل نفسه، لا يمكن أن تصطدم بأقل من 40 جنسية في أي اتجاه تنظر فيه، إنّه العالم بالألوان كما لم أعرفه من قبل..
في ساحة الوصل تُصاب بحيرة مقصودة، بالمبدأ هناك 3 اتجاهات رئيسيّة كما أسلفنا، لكن الحقيقة أنهم ألف اتجاه، ليس هناك مبالغة، هناك ألف وجهة، بين دولة أو شركات أو منظمات أو حدائق أو مسارح أو ردهات طعام أو مراكز خدمات أو فنادق أو شقق أو أكشاك صغيرة أو حتى نُصب تذكاريّة ودُروب خاصّة
في البداية غرفت في أجنحة الدول، الغرق هنا بمعناه الحقيقي، أنت محاط بكم هائل من الأفكار والتصورات، وبعد أيام من الزيارات قمت شخصيّاً بتقسيم أجنحة الدول بحسب الآتي، دول بحثت عن ملابسها القديمة ولبستها، دول لبست ملابس جديدة، دول فكرت بطريقة أخرى تماماً.. بعد أيام عدّت للتراجع عن هذا التصنيف، لأنني في كلّ جناح جديد (قمت بزيارة كلّ الأجنحة تقريباً عدا كيان لا نعترف فيه أصلاً) كنت أكتشف تصنيفات جديدة يمكن اضافتها، هذه التصنيفات ليست عن آخر الاختراعات ولا حجم ثروات الدول، إنها عن طرق التفكير، إنّ ما يجعل العالم متقدماً ومتأخراً اليوم لم يعد المال ولا القوة ولا الموارد الطبيعيّة، إنها طريقة التفكير فحسب والإيمان بكل شخص
محاور وتقسميات اكسبو الثلاث لهذه المرّة
يشكل اكسبو منصة استثنائية تتيح للمجتمع العالمي التعاون معًا لاكتشاف الحلول المبتكرة والرائدة للمواضيع الفرعية الثلاثة التي تم تحديدها كعوامل رئيسة للتنمية العالمية:
الاستدامة
مصادر دائمة للطاقة والمياه: في عالم اليوم الذي تتسارع فيه خطى النمو، تتزايد أهمية الابتكارات المميزة في مجال إنتاج وتزويد واستهلاك مصادر الطاقة والمياه النظيفة. وتتلخص الأهداف الرئيسية للدول المتقدمة والنامية في تحسين فرص الحصول على هذه المصادر الطبيعية الثمينة، وذلك عبر اتباع أساليب الترشيد المسؤولة والإدارة السليمة والفاعلة، فضلاً عن اعتماد ثقافة الاستدامة
جناح الاستدامة هو تجربة لا يمكن نسيانها، نحن امام منطق جديد من التفكير، ليست أفكار جديدة فحسب، إنها أنماط تفكير جديدة.. هذا الجناح هو بكامله جناح مستدام أي مصنوع من مواد غير ملوثة ويمكن تدويرها، إن لهذا الجناح قدرة رهيبة على تغيير معتقدنا الأساسي حول مصير البشرية المحتوم، الأفكار التي قد يلزم الناس عشرات السنين لإدراكها بغية تغيير سلوكهم اليومي تجاه البيئة يمكن لرحلة من ساعتين أن تجعلك متورطاً فيها، حدّ التبنّي، الناس لا يخرجون من تيررا أو جناح الاستدامة كما دخلوا أبداً، كيف لا وهم يتعرّفون على المصائب التي يرتكبونها كلّ دقيقة تجاه الكوكب؟
التنقل
أنظمة جديدة للنقل والخدمات اللوجستية: تعتبر أنظمة النقل والخدمات اللوجستية المتطورة شريان الحياة الذي يربط الناس والسلع والخدمات في جميع أنحاء العالم؛ وهي تتمتع بتأثير كبير على المدن، وأنماط السفر وأساليب شحن السلع، ومدى فعالية إيصال المساعدات الإنسانية. وفي الوقت الذي تواصل فيه الأسواق العالمية مسيرة نموها وتفاعلها، تبدو الحاجة ملحة إلى مصادر جديدة للابتكار بغية إيجاد حلول أكثر تكاملاً
إنّه عبارة عن spinner من الخارج، كتلة معدنية منسابة فضيّة مبهرة.. مبهرة تماماً، تأخذك في رحلة تاريخيّة عن تاريخ التنقل والتواصل بين الجغرافيّات الأرضية ومستقبل التواصل والتنقل، في هذا الجناح أنت تدور لتلحق بالغد، في هذا الجناح تسافر إلى المستقبل وتعرف أفكاراً سيلزمنا عشرات السنين حتى نعرفها في كتبنا المدرسيّة
الفرص
سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ومع انضمام المزيد من الدول الناشئة إلى الاقتصاد العالمي، تبدو الحاجة ملحةً إلى نماذج عالمية جديدة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار المالي. يشكل معرض “إكسبو الدولي 2020” في دبي منصة مميزة لتكريس نماذج جديدة لتدفق المقدرات المالية والفكرية الكفيلة بتعزيز روح ريادة الأعمال والابتكار. كما سيركز على اكتشاف سبل الترابط وتحديد الشراكات المحتملة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج إرث من الابتكارات الجديدة.
هذا الجناح هو ثلاثة أجنحة بالواقع، في كلّ منها تتعرّف على أشخاص مبتكرين قرروا أن يغيّروا واقع مجتمعاتهم من حول العالم، كما أنك أمام تجربة تخوضها من خلال منطق التلعيب، حيث تدرك من خلال لعب تنافسيّة دورك في مستقبل الأرض.. إنه جناح مثير بالفعل لأنك فيه لا تنتظر المستقبل أنت تتعرّف على أشخاص عاديين قرروا أنهم غير عاديين وباتوا في المستقبل بالفعل.. إنهم يروون لك قصصهم، ليست قصص نجاح كالتي نعرفها، إنها قصص تحدّي
البساطة والتعقيد
اكسبو دبي بسيط ومعقد في آن واحد، يمكن لك زيارته والتمتع بالفعاليات والعروض اليوميّة والساعيّة فيه، ويمكن لك حمل ألف دفتر ملاحظات لأخذ الأفكار والتعلّم، أنا على ثقة أنها ستمتلئ.. تبدو لك مقاعد حجريّة منتشرة لكنها كلمات منحوتة ومكتوبة بالخط العربي، تبدو لك سلات قمامة حديثة لكنها تعالج وتضغط النفايات، تبدو لك مظلات معدنيّة لكنها تولّد الطاقة من الشمس، تبدو لك حديقة لكنها مفهوم كامل، يبدو لك طريق عريض لكنه يصل بين طرفي العالم في دول متنوعة، تبدو لك عربات عاديّة تنقل ركاب، لكنها حافلات صغيرة للبروتوكول، وحافلات تاكسي وحافلات مجانيّة وقطار استكشاف ودراجات للإيجار وغيرها، تبدو لك محطة عابرة فيما هي استراحة لتلقي أفكار عرضيّة، تبدو نوافر مياه لكنها تستخدم للتبريد من خلال الرذاذ.. يالله ما أكثر الأفكار الصغيرة التي تحسّن من تجربتك وحيداً او مع الأصدقاء أو مع العائلة
الإبهار والتقنيات
لقد اجتهدت الدول لتقديم أحدث ما وصلت إليه، أول لنقل استخدمت بالفعل أفضل ما وصلت إليه.. نحن لسنا أمام معرض للابتكار، لقد كنّا نستخدم هذا الابتكار بالفعل، ويبدو أنّ زمن الصورة والفيديو والكتابة بشكلها القديم قد انتهى اليوم، كنّا في اكسبو أمام تجارب بصرية ترجع بك آلاف السنين لتعيش قصّة أو تأخذك في رحلة افتراضيّة من طائرة المستقبل، بعض الدول ولّدت المياه من الهواء في جناحها، بعضها استحضرت جبال الألب مع هوائها وبعضها عوّمت جناحها فوق المياه تماماً لأنها جزيرة بالأصل، دول أخرى جعلتك تعيش بداخل حاناتها التي تنتج موسيقى وتلمس شجيرات البن والكاكاو، دول أخرى اصطحبتنا في الغابات التي تتميّز بها، ودول أخرى استضافتنا في رحلة على كوكب آ خر.. هل يمكن تخيّل جناج اليابان من الداخل، لا يمكن.. بكل صدق.. كان حلم لم يسبق لنا النوم لأجله
هناك دول أخرى جعلتك تشمّ رائحتها على بعد آلاف الأميال، هناك دول صغيرة فضّلت الحديث عن ناسها، أخرى رأت أن طبيعتها هي أهم شيء، هناك دول لم تسمع بها من قبل يمكن لزيارتك لها أن تعطيك دروساً في استشراف المستقبل وفتح الاستثمار والذكاء الصنعي وهناك دول لا تخجل بحروبها بل تعيد أمامك سيرتها لتريك كيف تعلّمت ودول أخرى استقبلك حاكمها بفيديو ترحيبي ودول أخرى أبدعت أفكاراً في سحرك، قد تبيّن الصور بعضها
مئات الفعاليات
قد يخالُ لك أن إكسبو هو معرض، في الحقيقة هو عالم من الخيال، في كلّ يوم عشرات الفعاليات، الفنيّة والفكريّة والثقافيّة والترفيهيّة، في كل ساحة من الساحات هناك شيء ما جديد كلّ يوم، هناك ثقافة ما يتمّ بثّها، لقد جمع المنظمون أفضل ما في هذا العالم لأجل متعتك وتجربتك، = أتقنوا مسألة مهمّة هي تحدي الذات، لقد تفوّق المنظمون على عقولنا، وهذا ليس مبالغة لكنه اعتراف بأنّ كلّ تفصيل في الحدث يحترم كونك إنسان ويقول لك تحرّك.. المستقبل بدأ وأنت هنا هيّا تعال
أفكار تجعلنا أفضل
التقنيات في اكسبو وفخر الدول بها لم تستخدم هذه المرّة لتقول لك نحن وهم وأنتم وهؤلاء، إنها تستخدم لتجعلنا أفضل جميعاً، القضايا التي تنصّب بعض الدول نفسها للتصدي لها هي قضايا الإنسانيّة في الواقع، قضايا البيئة والاستدامة والمستقبل والتعليم والفقر يتمّ التفكير بها بدرجة عليا من المسؤوليّة، نعم هناك شركات تقوم بهذا لكنّ الاستثمار لطالما كان محرّك المستقبل وعجلتهُ الأساسيّة
تفتيش الذاكرة الجمعية
قد يخطر للبعض أن منظمي الحدث قد استقدموا كلّ جديد ليصمموا تجربة الإبهار هذه، هذا جزء فيه صحّة لكنّ الأصح أنهم أيضاً قاموا بالتفتيش في ماضيهم مهما كان قريباً، فأعادوا خلق المفاهيم، وبات كلّ شيء جميل في أصله قصة قديمة، من تخطيط عالم اكسبو الذي يشبه تداخل الأسواق الشعبيّة العربية وحتى نوافير المياه والدروب الواصلة بين الساحات والأركان المظللة الكثيرة للاستراحة وحتى للتدخين، لن تشعر بالغرابة في اكسبو، ستشعر كيف أنّه أعيد استخدام أشياء تعرفها جيداً، سترى الشخصيات الكرتونية وقد تحولت لمشاريع تغيير، للأطفال أركان، للمتعة البصريّة أماكن، للراحة أماكن وحدائق، حتى الشمس والقمر تمّ استحضارهما لإضاءة حديقة في المساء، الأسماء التي سمّيت بها الدروب والساحات كلّها نعرفها.. أماكن العبادة والرياضة وغيرها
الطعام! تذوق لأول مرة
عمل اكسبو على فتح أكثر من 200 منفذ للطعام، أقولها بثقة لا يشبه منفذ آخر، في اكسبو لأوّل مرة كنت أمام مطبخ عالمي، من روائح توابل الهند مروراً بمناقيش الزعتر الفلسطيني وحتى ردهات الطعام الإفريقيّة التي طلبنا فيها أطباق لم نسمع بها من قبل ولم نشمّ رائحتها قبلاً، إنه مطبخ العالم ببهاراته الأساسيّة، لا طاه يشبه الآخر، لا يوجد لوائح طعام متطابقة، لا منافسة، لأن الجميع يختبر أشياء للمرّة الأولى.. هل نتحدث عن أنواع العصائر التي لا تحصى؟ عن أنواع القهوة في بعض الأجنحة التي لم نعرفها قبلاً؟
اللغة العربيّة، هويّتنا
في الدول العربيّة الطامحة للحداثة كثيراً ما يترك السكان لغتهم العربيّة ويصير معيار تقدمهم كمّ الكلمات الانكليزيّة والفرنسيّة التي يستخدمونها، في الإمارات لا، هذه واحدة من الأشياء الأعظم على الإطلاق، انهم فخورون بالعربيّة، يتحدث اكسبو (من خلال كل شيء فيه لوحات وارشادات وعروض) كلّ اللغات بطلاقة، لكن العربيّة أولاً إلى جانب الإنكليزيّة وإنّ لهذا الاحترام من قبل المنظمين أثر كبير في فرض احترام العربية في أجنحة الدول، نعم أغلب الدول وجدت نفسها تترجم ما تعرض للعربيّة، إن اللغة جزء من الهويّة وهذا المعرض هو معرض هويّات
العالم هُنا
اكسبو فرصة لزيارة أفضل ما في العالم، قد يُتاح لنا زيارة بعض المدن من وقت لآخر، أما زيارة ما تعتبره كل دولة أفضل ما لديها فهذه هي الفرصة العظيمة، نعم يمكن أن نزور الدول لكن لا يمكن دوماً التعرف على تفكير مواطنيها وحكامهم، إنه العالم في مدينة صغيرة بالمساحة رغم أنها ستتعب قدميك بلا شك.. وهي بالتأكيد ستتعب عقلك، وستلهم أفكارك وتشعل مشاعرك، ستحب عيوناً لم تراها من قبل وتعجب بلكنات لم تسمعها في الأفلام، اكسبو سيُلوّن عينيك من جديد، ستعرف كيف أنّ الألوان هي كالطعمات، كلّ شعب يشعر بها بشكل مختلف ويستخدمها كما لا تستخدمها أنت.. دع عنك كلّ محاولاتك لتقبل الآخر، في اكسبو أنت الآخر، حتى أنت ستتعرف إليك من جديد، لأنك ستقارب كل ما تراه مع كل ما تربّيت عليه، ستقول نحن، وأنا كيف أفكر وكيف أشعر وكيف أعبر عن هذا وتلك من الأشياء غير المنتهية
لسنا ملوك العالم
في اكسبو ستدرك أننا جزءاً من هذا العالم، ولسنا العالم، وستلوم أبو فراس الحمداني على قوله لنا الصدر دون العالمين، الحقيقية أنّ الصدر لمن يغيّر آليات تفكيره كلّ يوم، سنعرف في اكسبو أننا بناة حضارة وهي جزء من حضارة الآخرين، وأننا أصحاب أبجديّة، ولكنها حروف الآخرين، وأننا أصحاب موسيقى والآخرون ألحانها.. نعم سينتزع منك اكسبو فكرة أنّنا محور العالم، سيضع مكانها فكرة جديدة بسيطة، كل شخص هو محور العالم فيما لو فكر بالعالم وسعادة العالم.. في اكسبو تتعلّم أنّ دولتك قد سمع بها البعض فقط، كما سمعت أنت بدولهم، الحقيقة أنك ستكتشف دولاً لم تعرفها، وستعرف أنّ الناس في أفضل أحوالهم يعرفون عن بلدك اسمها ولون علمها، وربما أغلبهم يقول لك كم تبعد بلدك عن دبي؟
لا أحد في الخلف
ليس هناك من أي قيود لمشاركة ذوي الإعاقة، إنّ تقنيات وصولهم لكل تفصيل في اكسبو مؤمّنة، كذلك كبار السن، كذلك الأطفال لهم أنشطتهم ومغامراتهم الشيّقة، في بعض اللحظات ستتمنّى لو كنت طفلاً لتحظى بمغامرة ما في اكسبو، الأجنحة أيضاً لم تنسى الشباب، جناح الشباب الذي تعبر فيه الإمارات عن وجهتها وكيف تستثمر في الشباب، جناح المرأة ليس أقلّ إبهاراً من أجنحة اكسبو الأساسيّة، جناح الرؤية الذي يجعل دموع الاعجاب غير قادرة على أن تبقى في العيون، إنها الرؤية التي بنيت على أساسها هذه المدينة، هذا الجناح هو هديّة المنظمين لعراب دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
لو كنتُ مسؤولاً قادراً في أيّ حكومة، او شركة، او منظمة، أو رابطة، أو عائلة لحاولت إيفاد ما أمكن من الناس حولي لتعلّم التفكير، لتعلّم إعادة التفكير
حيّاكم.. وسيم السخلة