هالدّني بتساع الكل <3 - Life can accommodate everyone

Category: الشرق

كان من الصعب أن تطمئنّ على مليون شخص.. مذكرات 4 آب 2020

هذه المذكرات هي مذكرات شخصيّة، قد تصف كثير من الألم والمشاعر والتفاصيل وكل التفاصيل

فيها حقيقيّة، اذا كنت تبحث عن مقال سياسي أو اقتصادي فهذا ليس مناسباً لك..

صيف بيروت، الثلاثاء 4 آب 2020

كانت بيروت تلتهب، صيفٌ حارق، البحر يتبخّر، الرطوبة تبطء الهواء فيبدو ثقيلاً، نتنفسه نحن فلا يتحرك من أمام وجوهنا، تخيلوا هواءاً لا يتحرك، يجثم أمامنا في المدينة، منتظراً شيئاً ما، عاصفة، انفجار، نهاية الكوكب، أي شيء آخر..

كانت إصابات كوفيد-19 في تصاعد، وكانت الليرة اللبنانية تهوي، كانت تهوي سريعاً، والناس معها يتخلون عن المستقبل، في كلّ المرات التي تحدث فيها الأزمات يفتح الناس خزائنهم، فيصرفون ماجمعوه، على مبدأ القرش الأبيض لليوم الأسود.. إلا في بيروت، استيقظ الناس في أيام سوداء، فوجدوا أن قروشهم التي جمعوها قد اختفت، هكذا فجأة ثمّة من سرق بلد كامل، لم يسرق بنكاً، سرق المصرف، لقد كان الناسُ مفلسين تماماً، ليس لأنهم لايملكون الأموال، بل لأن هناك من سرقها..

كان الثلاثاء يوماً بين فترتي حجر أقرتهما الحكومة، لم يلتزم الناس احتراماً للقانون، بل درءاً للكارثة الصحية المستمرّة، المشافي ممتلئة والضحايا يتمّ عدّهم كأرقام فقط، حين يعلنون اصابتك أو موتك لا أحد يسأل عن عائلتك أو أحلامك أو آخر شيء جيد فعلته، ولاحتى عن موقفك السياسي وحزبك، يسألون فقط عن عمرك، وعن مكان سكنك، وأين توفيت، وكم مرّة دفعت لإجراء اختبار الكورونا

.. هكذا كانت بيروت، كورونا تنغل نغلاً، رطوبة عالية جداً، صيف مشتعل الناس فيه غير قادرين على الخروج للسياحة كما اعتادوا حيث أموالهم سرقت والحدود مغلقة بسبب كورونا تماماً، الجميع صامت، وحدهم سائقو التكاسي يحللون الأزمات، وحدهم يحدثونك عن كيف سترجع الأموال، وحدهم يشرحون لك مسألة الشريحة الالكترونية التي سيزرعونها في أجسادنا فور اكتشاف اللقاح، وحدهم من يحدثونك عن كذب اختبار الكورونا، وعن الدكاترة الأميركيين الذين ركبو معهم وقالوا لهم أن الفيروس مؤامرة، وحدهم من يقتنعون أن أقاربهم الذين يموتون بالكورونا لم يموتو بالكورونا بل تم قلتهم بالوهم..

صباح ذلك اليوم

استيقظتُ كسلاً فأنا بحاجة للذهاب للمكتب حيث كنت أتدرب مع منظمة وعليّ بعض المهام التي انجزها من كومبيوتر المكتب، دخلت إلى المكتب مع سندويشة لبنة بالمكدوس اعتدّتُ تناولها من محل يُلاصق باب بلدية بيروت، تجاوزت الحاجز الأمني نحو ساحة النجمة، حيّيتُ عبد الله حارس البناء سألته عن السودان وأجابني بكلام لم أفهمه،

أنا في البناء الأنيق الأبيض المميز والذي يعلوه أسد حجريّ طائر وسط ساحة النجمة ببيروت حيث استخدم سابقاً كسفارة للايطاليين ومكاتب لشركة روتانا وغيرها.. في المطبخ أعددتُ الشاي، لا أحد سوى مدير المنظمة، أغلقت خلفي باب المكتب، شغلتُ التكييف ووضعت على الشاشة الأخرى مسلسل شارع شيكاغو.. وبدأت العمل..

للصراحة فإن تناول المكدوس في هذا الجو الحارق ضرب من الجنون، لكنّ إضافة اللبنة إليه (على الأغلب هو اختراع يُسجل لصالح محلات الفاكهاني في بيروت) جعل من المكدوس واللبنة والخضروات مع كأس من الشاي الأحمر لذّة معقولة وسط يوم صيفي حارق..

كان هاتفي يمتلئ بالإشعارات من مجموعات الواتساب الإخبارية اللبنانية، والتي تنقل كل شيء عن أي شيء، لقد عرّفتني هذه المجموعات التي مازلت عاجزاً عن مغادرتها على كل شيء يخص لبنان، بت أعرف كيف يصرح السياسيون، كيف يردون على تغريدات بعضهم، ماهي الكلمات التي يستخدمونها، “ليُبنى على الشيء مقتضاه” كما يقول مكتب رئيس مجلس النواب مثلاً.

جعل المكيّف القوي المكتب الزجاجي جنّة وسط جحيم الطقس، هذه الجنّة كنتُ أتفاوض في زمن مضى مع وليد على درجة برودتها، سافر وليد وترك لي المكيف والجنّة بحالها، اختار جنته الجديدة في تركيا.

كانت الساعة قد تجاوزت السادسة، وكنتُ لا أخرج  من المكتب إلا في المساء في أيام صيفيّة كهذه، كنتُ أشاهد سلاف فواخرجي وعباس النوري في مسلسل شارع شيكاغو، وادقق ملفاً أعمل عليه،

فجأة، اهتزّ البناء، كأنه ثمّة من امسكه من قواعده على طريقة أفلام الكرتون، خلال نصف ثانية كان عليّ الاختيار بين أن أتطلع نحو اليمين لأشاهد ما يحدث من الشرفة أو أتطلع نحو اليسار باتجاه باب المكتب الزجاجي.. اخترت اليسار.. كما أفعل دوماً

لو أنّي اخترت اليمين لتهشّم وجهي للأبد، هكذا ببساطة أقولها.. دوى الانفجار خُلع باب الشرفة الخشبي مع البللور المزدوج، في ثواني كنت قد طرت عدّة أمتار وهويت فوق نفسي، ارتد الانفجار، وقعت قطع من السقف المستعار صار الباب الخشبي وبلورته المزدوجة السمكية المحطمة تغطي ظهري وكان تحت جسدي الباب الزجاجي الذي صار حبيبات زجاجية جارحة..

هكذا فجأة تحولت من طالب ماستر يحب المدينة ويفرح فيها إلى طبقة بشرية بين الزجاج ومازال يتساقط فوقها السقف المستعار، الكتب، الكراسي، فجأة تصبح طبقة منسيّة، أنت الذي نجوت من آلاف قذائف متطرف اسمه زعران علوش كان يمطر فيها العاصمة دمشق تتحول هنا إلى جسد بشري بين طبقات الركام.

احتاج عقلي عدّة ثواني لربط الصوت بالانفجار، تلقى عقلي الفكرة أولاً، أين أنا، ثم سمعت الصوت من جديد، اذا لقد انفجرت المدينة، لوهلة أحسست أنني في وثائقي حرب لبنان الذي أعدته الجزيرة في التسعينات وحضرناه وحفظنا موسيقته في منزلنا بدمشق، أول ما فكرت فيه هو العائلة، بابا لم يكن يتصل بي كلّ يوم كما يفعل أصدقائي، لكنه كان لاينام قبل أن يراجع آخر ظهور لي على واتساب ليتأكد أنني نمتُ، نعم هذه الأشياء التي تكتشفها صدفة، كان أبي يراجع ظهوري على واتساب أكثر مما فعلت أي صبية كنت أستلطفها وتستلطفني.

تحركت قليلاً فرأيت دماءاً في ساعديّ وركبتيّ، بحثتُ عن الموبايل، كان أبي يشغّل قناة الجديد كل ساعة منذ بدأت المظاهرات قبل أقل من سنة في لبنان، كان يتابع قطع الطرقات ويشكل خريطة بيروت في ذهنه من جديد، هل تمرّ من جسر الرينغ في العودة للمنزل؟ لماذا تقطع من امام مصرف لبنان هناك مظاهرة عصر اليوم هناك، هل صحيح أن المواجهات تحدث بقرب المكتب من حولك، الله يرضى عليك خلينا بعاد..

وجدت الموبايل على بعد أمتار، كنتُ ما أزال ممدداً على الأرض، كانت الحرب قد اشتعلت في الخارج، هذه الحرب هي حرب أجهزة الإنذار، أنا في منطقة مغلقة منذ سنوات أمام العامة إلا لضرورات، منطقة فيها مجلس النواب ومكاتب المنظمات الدولية وبعض السفارات، وكل أبنيتها ذات طراز كولونيالي محدّث، ولكل بناء صفارة إنذار مدوّية إن لم يكن لكل مكتب، في الخارج حرب صفارات الإنذار ومن حولي الركام والغبار، وصلت للموبايل، فتحت تطبيق الواتساب فوجدتُ الانترنت يعمل وكانت هذه المفاجأة جيدة، لقد حسبت أن كلّ شيء انتهى وتدمر كلّ شيء لكن الانترنت يعمل جيد! فتحت المحادثة مع بابا، كنت أود أن أقول له أنني بخير قبل أن تورد قناة لبنانية خبراً يقول هز انفجار ضخم بيروت، أو الحرب بدأت من جديد في بيروت، حاولت تهدأة صوتي أرسلت له تسجيلاً قلت فيه: بابا صار انفجار وأنا منيح بعيد عنو، بس حبيت طمنك، بحاكيك بعدين

الحقيقة أنني لم أكن أعرف ما حدث بعد، والحقيقة أنني كنت أنزف بعض الدماء ولستُ “منيحاً” كما قلت، لكنني تخيلت العائلة التي كنت لم أراها  منذ 5 أشهر تتسمّر أمام تلفاز أو موبايل لتراقب ما يحدث في بيروت.

بدأت أدرك ما حولي، تذكرت أن المدير في غرفة أخرى، زحفتُ نحوه وجدته بخير، شاهد الدماء قلت له خدوش، بدأنا بفحص بعضنا البعض، نفتش عن جروح أو ضربات، استعدنا الوعي لدقيقة، قلت له أكيد هو تفجير في مجلس النواب الذي يبعد عننا أمتاراً، ذهبت إلى الشرفة، وجدت المجلس غير متفجر لكن شبابيكه محطمة، قلت له أكيد هو تفجير في شارع المصارف حيث يبعد عنا عشرات الأمتار، قال لي انفجار في المرفأ، قلت له مستحيل، الانفجار أقرب بكثير، تداعينا للخروج، تذكرتُ أوراقي الرسميّة وكومبيوتري المحمول الثاني الذي كنت أتركه بالمكتب، قال لي علينا المغادرة، كنتُ متأكداً اننا لن نعود إلى المكتب قريباً، لملمتُ أوراقي وحملت الكومبيوتر المحمول القديم، لا أدري كيف فجأة تحول حجم أوراقي إلى طنّ..

 نزلت من المكتب والدماء تسيل من قدميّ، ومن يديّ كنتُ اجفف الدم عن كفي اليسار بوضعه في جيب الشورت الخمري الذي ألبسه، كانت من نفس لون الدم، المصعد كان متعطلاً أصلاً وبالتالي لم نحتاج لتلك النصيحة التي نجدها ملصقة داخله دوماً عن عدم استخدامه في حالات الحريق والطوارئ.

نزلنا الدرج فسمعنا صوت الصريخ من مكتب بالطابق الأول، كل كل شخص يطمئن على عائلته، ثمّة أشخاص لم يردوا أبداً بعدها.. كانوا عدّة صبايا بخير مثلنا، تابعنا النزول.. بين المكتب والمكتب والحاجز الأمني حوالي 40 متر.. مشيتها ببطء..

كنتُ لأول مرة أشاهد مدينة تتحطم، نحن سكان العاصمة دمشق مرّت الحرب بقربنا، لم تخترقنا كما حصل في باقي المناطق، مشيتُ مذهولاً، هذا الجمال الذي كنتُ أتأمله كلّ صباح ومساء يحترق ويتكسر، هذا الوسط الذي أحفظ تاريخه وتحوّله وأحتفظ بصوره القديمة يُعاد تحطيمه.. لم يكن هذا الشعور منطلقاً من نظرة طبقيّة، أنا لم أحزن على وسط المدينة لأنه الجميل والمرتب، لكن كان ذلك أول ما شاهدته.. كانت صفارات الإنذار مستمرّة، بل كانت تزيد هلعاً كل لحظة، كان الناس يصرخون، كان يوم القيامة كما حدثونا عنه في الجامع عندما كنا صغار.. لكل شخص همّ ما، شيء يبحث عنه، رقم يحاول الاتصال به..

تجاوزت الحاجز الأمني، لأول مرّة أشاهد الخوف في عيون العسكر، ماذا يفعلون بالبنادق الأميركية التي يحملونها؟ ماذا تفعل عندما تتفجّر المدينة؟

وقفت أمام بلدية بيروت، كانت المحلات قد تحطمت واجهاتها والبضاعة فيها ارتدت للخارج، محلات الساعات والمجوهرات والأجهزة والعطور صارت خرائب، والبضاعة على الأرصفة، السيارات تتحرك بطريقة جنونية، منها من يضرب بالجدران الاسمنتيّة، أصوات صريخ، دماء، اسعاف، إنذارات، حاولت إيقاف أي سيارة أو تاكسي أو أي شيء، لا أحد..

تحادثت مع شباب بيت شام، كانوا بخير وقد اجتمعوا في المنزل مع بعض الأصدقاء، مشيت باتجاه شارع الحمرا من وسط بيروت، أحاول إيقاف أي سيارة، لم يتوقف أحد.. ما أحمله بلغ وزنه طن في تلك اللحظة، على الرغم من أنه لابتوب وأوراق لكنني أحسست أنني أحمل المدينة بين يديّ.. أنهكتُ جلست على الرصيف، مسحت الدماء، مشيت، تعبتُ، جلستُ أمام مشفى كليمنصو.. شاهدت المئات على نقالات الإسعاف مازالوا في الطريق، المشفى ممتلئ.. الناس يجنّون..

اتصلت بمحمد دياب شريك بيت شام، قلت له أن يلاقي لي لم أعد أستطع المشي، نزل والتقينا، حمل الأغراض عني.. كنا نتطلع ونحن غرقي بدموع لم تنزل من عيوننا.. كان دياب يشاركني حبّ المدينة المتخيّل، دياب كان مغرماً ببيروت ولو لم يكن على طريقتي، لكنّ بيروت المتخيّلة كانت تجمعنا، بيروت واليسار والصحافة والنشر ودرويش وو

في المنزل اجتمعنا، كان محمد عسراوي قد جرح قليلاً، وكان يطببهُ صديقنا وسام، الجميع في حالة ذهول.. المنزل لم يتأثير كثيراً فقط بعض الأشياء تحركت، بدأ الانترنت بالتعطل، أعدت الاتصال بالعائلة، صورت لهم أنني بخير.. جلسات في صالون المنزل الكبير في بناء جعفر آغا هذا المنزل الذي استأجرناه كبيراً لنوسع أنشطة بيت شام فإذا الكورونا تستمرّ، الكهرباء مقطوعة، دياب يوزع عليها المياه لنشرب.. كلّ منا بدأ يطمئن على أصدقائه.. كان من الصعب الاطمئنان على مدينة.. تخيل أن تعرف المدينة، لقد كنّا نعرف المدينة.. الجامعة، المجموعات، رابطة الأصدقاء، النادي السوري، مجموعات الدورات، مجموعات العرب الذين قضينا برامج معاً في الجامعات، اكثر من 50 مجموعة نسأل فيها بعضنا، هل نجوت؟

ما أبشع هذا السؤال في مدينة تحترق، في مدينة متفجّرة، هل نجوت؟ مالذي ينجو فينا بالضبط بعد حادث كهذا؟ كيف نعود كما كنّا؟ كيف نبقى؟ كيف نرد على هذا الكم من الرسائل عبر وسائل التواصل، كيف أشرح للجميع اننا لم نكن بخير حين كتبت منشوراً من كلمة واحدة لأطمئن الأصدقاء والمعارف، بخير!

اتصل صديقنا محمد دياب، وهو النسخة اللبنانيّة من نفس الاسم في بيت شام، قال لنا أن هناك تحذيرات من انتشار المواد الكيميائيّة في الجو وعلينا الخروج من بيروت، سيأخذنا بسيارته إلى صيدا حيث منزل لعائلته، فشلنا في شرح الأمر له، لن نخرج، لن يخرج مليون شخص، حاول معناً كثيراً، أعتقد يومها أننا كنا فاقدي القدرة على الكلام والتفكير، كنا نشعر فقط بالأسف، ننظر في عيون بعض، نحنُ الذين عشنا زمناً ذهبياً في بيروت شاهدناها كيف أفلست وشاهدنا الناس فيها كيف اختفت ضحكاتهم وشاهدنا تُصاب بالكورونا وشاهدناها تنفجر يومها..

في ذلك المساء كنا نتابع الأخبار، على الأصح كنا نتابع أرقام المفقودين والضحايا، أحسسنا للمرّة الأولى بالأسف، هل تعرف شعور الأسف على مدينة؟ والمدينة هنا هي الناس والمكان والزمن والنحنُ.

في اليوم التالي جمعت بعض الزجاج لأخلّد الذكرى، لكن عدّتُ وتخلصت من أغلبها فقط جرحت يدي مرّة أخرى.. حصلت على صحف اليوم التالي، حيث كانت الحياة قد تغيرت تماماً.. بالنسبة لي على الأقل..

وسيم السخلة

دير مار موسى، سورية التي قد لا نعرفها!

الشمس عندما تدخل إلى الكنيسة في الدير

خلال الأيام الماضية اختبرت تجربة مختلفة عما نعيشهُ في حياتنا اليوميّة كسوريين، وفي سورية. تجربة متكاملة من الهدوء والتأمل والروحانيّة، أقول متكاملة لأنه هذه الصفات اكتملت بغنى هذه التجربة بالمحبّة!

بدأت الفكرة من اختيار مكان لتوديع صديقنا المهاجر إلى جانب آخر من الأرض، إلى الولايات المتحدة سيهاجر صديق لطالما قضينا معاً ساعات طويلة من حوارات في أيام الحرب وأيام السلم وأيام القسوة التي نحاول عيشها اليوم، ستتوقف ربّما هذه الحوارات العميقة والتي كنّا ننطلق فيها لمكان مختلف عن تلك الحوارات التي نخوضها يوميّاً، لقد قررنا أن نودّع هذه اللحظات في مكان ليس له مثيل في سورية، إنه دير مار موسى الحبشي في القلمون وسط سورية.

في الأوتوستراد الدولي بين حمص ودمشق تقع مدينة النبك التي تتبع إدارياَ لمحافظة ريف دمشق، دخلنا هذه المدينة الجميلة الأنيقة وخرجنا شرقها نحو البادية.. بدأت سورية الأخرى تظهر إلينا نحن أبناء المدن، صحراء، بادية، شول، عراء، تراب، لا أحد.. سمّها ما شئت، بدأت كلّ شيء يختفي فقط شعاع الشمس الآتي من الشرق، نسيرُ نحوه في مرتفعات ومنخفضات، منطقة قاحلة تماماً، أعتقد أنّ الليل يسكنها وحده، تنقطع فيها شبكة الاتصال، والانترنت، لا عواميد كهرباء ولا شارات طرقية، هناك بعض الطيور البريّة لكنها غير مرئيّة، فيما عدا ذلك مضينا عدّة كيلو مترات في العراء التام.

أراض واسعة، تتراوح ألوانها من السمرة وحتى السواد بفعل الظلال، طريق اسفلتي تشّقهُ الحفر أحياناً وتغير اتجاهه بعض الصخور الكبيرة، ويستمرّ هذا الطريق نحو العراق حسبما قدرنا، لكنّ انعطافة نحو اليمين تأخذك نحو جبلين، يُشير لي صديقي بأن: هل شاهدت الدير مقصدنا؟ أجيبه ب لا، فيقول لي: تماماً هذا ما أرادوه في البداية دير يختفي بين الصخور بشكل متقن، بني كبرج دفاعي روماني يعود للقرن الثاني الميلادي، وهو دير سرياني يتبع جماعة دير مار موسى الحبشي الرهبانيّة بحسب طقس الكنيسة السريانية الكاثوليكية. (هذا ليس مقالاً عن تاريخ دير مار موسى يمكنك إيجاد عشرات المقالات التفصيلية عن الدير وتاريخه وأبنيته في الانترنت)

نصل إلى بداية الدير، يُحيّنا جندي من الجيش، نسأله عن ركن السيارة ونحن نتمنّى أن ندخل بها بعض الأمتار، فالشمس حارقةً جداً، يشير لنا نحو الباب ويسألنا وضع الأغراض في سلّة حديديّة مربوطة بالأحبال إلى الدير(قاطرة معلّقة، تيليفريك)، الأغراض تصعد فيها، أما نحنُ فعلينا الصعود في درب حجري ومن ثمّ درجات.

مئات الدرجات المرهقة، تحت الشمس الحارقة، مئات الدرجات تقضيها في حالة من الدهشة، كيف يعيشون هنا!

عند الوصول يستقبلك المشهد الذي صعدّته، إنها لذّة الوصول بعد التعب، تحت قماش من الخيش تستريح على قواطع حجريّة وخشبيّة قبل الدخول للدير، باب الدير باب صغير لايتجاوز ارتفاعه نصف طولك، ومنه لباب مشابه، أبواب حديديّة قديمة أعدّت بعناية كمدخل للدير.

وصلنا في وقت الإفطار، استقبلتنا الجماعة التي تعيش في هذا الدير بالمياه الباردة، عفواً قبل المياه كانت الابتسامة، وكأنهم اعتادوا هذا الموقف، فأتقنوه.

من اللحظة الأولى سنشعرُ أنه مكاننا، استلمنا الغرف البسيطة، تعرّفنا إلى أماكن الخدمات، وفهمنا أين سنعيش الساعات القادمة، الكهرباء متوفرة دوماً، المياه الباردة والمغاور في الجبال والفسحات والمكتبة التي كلّ ما فتحت فيها باباً أخذك إلى مكتبة أخرى، لقد بُنيت هذه الغرف في الصخر، وعلى الصخر ولهذا ليس لها منطق هندسي نعرفه، بل حسبما أتاح تشكيل الصخور بنيت هذه الغرف والمساحات.

في الكنيسة التي تتوجه نحو الشرق حالة أخرى، مدّ عربي بسيط، شموع في كلّ مكان، أيقونات كتبت على الجدران يعود بعضها إلى ألف سنة مضت، صلات لثلاث مرّات باليوم، صلوات رقيقة جميلة دافئة، أنت غير مجبر عليها، لكنّك ستحبّ ذلك.

اثر كلّ صلاة: كلام جميل، وعبر للحياة وحوار ممكن، وتأمل طويل.. ساعة صمت مسائيّة يمتنع فيها كلّ الدير عن الكلام، لكنك تشعر فيها بأنّك تحكي كثيراً والسماء تسمعك، طاقة كبيرة يركزها التأمل أمام عينيك، وفيك.

المشاعر بالدير هي مشاعر البيت، ما إن تدخل حتى تصبح جزءاً من المكان، تتحرّك فيه بسهولة، القواعد بديهيّة ومحدودة، الكل موجود ليساعد الكل، يمكنك التأمل، الصلاة، الكتابة، العزف أو الاستمتاع بالموسيقى، التفكير والنوم والتخطيط والقراءة، هناك غرف هادئة ومعزولة تماماً للقراءة، ومكتبة غنيّة بآلاف الكتب المتنوعة.

وجبات الطعام بسيطة وغنيّة وصحيّة ولذيذة، تُصنع كأنها في المنزل، يمكنك أن تساعد فيها أيضاً، الدير أنيق ونظيف ومرتب وعليك أن تساعد في ذلك أيضاً، الرهبان لطفااااء جداً يجيبونك عن كلّ شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً عنهم وعن ما يعرفونه.

الأماكن كثيرة، متاحة، وعلى الجبل الآخر الدير الحديث أو المكان المجهز بالغرف والقاعات وهو الأحدث نسبياً وفيه غرف للمنامة وقاعة متوسطة للمؤتمرات وقد غلب عليه الطابع القروي، حتى أنّ مداخل الأبواب والشبابيك قد تمّ احضارها من بيوت تقليدية قديمة ربّما حلّت محلها الأبنية الحديثة.

بين الجبلين أو بين القمتين جسر حديدي وتحته وادي يمتلأ بالمياه وقت السيل أحياناً، في الخلف حاولوا بناء سدّ للمياه فغمر الوحل السد وظهرت أرض جديدة زرعت بالزيتون، حاولوا زراعة عشرات الأنواع المثمرة وقد كانوا يربون الحيوانات لكنهم توقفوا مؤقتاً..

لقد عانى هذا المكان من الإهمال خلال ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، وأي زائر سيلاحظ تشوّه الوجوه في الأيقونات التاريخيّة المكتوبة على الجدران، حتى بدأت في الثمانينيّات جهود من الراهب اليسوعي باولو دالوليو الإيطالي لإعادة الألق للمكان وحوله إلى منارة ومركز لحوار الأديان وأجرى فيه كثير من الحوارات الدينية الإسلاميّة والمسيحيّة، وصار الدير مقصداً للآلاف على مدار عدّة عقود يرغبون بعيش التجربة لأيام أو يقيمون عزلتهم او تدريباتهم أو خلواتهم وصلواتهم وحواراتهم في الدير ومطارحه.

اليوم يعيش في الدير عدّة رهبان وراهبات اختاروا البقاء هنا ويتابع أغلبهم دراساته الدينيّة في إيطاليا وغيرها، ويرتبط الدير بأديرة أخرى، وعندما زرنا الدير كان هناك بعض المقيمين من الإيطاليين الذين جاؤوا لاختبار هذه التجربة كما جاء المئات قبلهم من مختلف دول العالم.

الدير ليس مكاناً للاصطياف أو التسلية بل هو مكان للتأمل والعزلة، وهو متاح لأي كان مهما كان انتماءه الديني أو الطائفي، لا أجور إقامة وإنما تبرعات تضعها في صندوق عتيق بحسب قدرتك، للوصول إلى الدير عليك التوجه لبلدة النبك في ريف دمشق، ويمكن الوصول إليها من دمشق من كراجات العباسيين بواسطة الميكرو سيرفيس (2000 ليرة سورية) ومن النبك عليك إيجاد سيارة أجرة نحو الدير.

لأن الكثيرين يسألونني كيف، فإن الاتصال واخبار الجماعة الرهبانيّة بأنكم قادمون هي الطريقة الأنسب، لايوجد تغطية موبايل في الدير وعليكم الاتصال على الرقم الأرضي: 0117877199

هذا الدير هو جزء من سورية التي قد لا نعرفها، أشجّع كلّ المهتمّين بشدّة على زيارته واختبار هذه التجربة!

وسيم السخلة
صيف 2022

الناعم هويّتنا في سورية، وغربتنا خارجها

عندما تقرر أكل الناعم، أنت تلقائياً تُقبلُ على رحلة مجهولة النهاية، فيها شيئ مؤكد وحيد، أنها سعيدة

تخيّل وأن تمسك شيئاً تعرفُ أنه سينكسر، سيملئ أصابع يديك بالدبس، وسوف لن تعرف أن تقسّمه كما تفعل مع الخبز أو مع الكعك، فقوّة وهشاشة الأجزاء في رغيف الناعم غير متساوية، بالتالي فأنت عندما تقسمه لنصفين قد يقسمُ نفسه لعشرة أجزاء، واذا قررّت أن تأخذ كسرة صغيرة قد تجد ثلث رغيف بين يديك.

العشوائيّة التي يشكلها الناعم في ارتفاعه وانخفاضه كأنها صحراء لحقتها عاصفة بالأمس، أما سيول دبس العنب أو دبس التين، أو دبس الخروب، فعلى اختلاف ألوانها وكثافتها تجري كأنهار وسيول، وقد تشكّل بعض التجمعات القاتمة، وأنت تأكل الناعم قد تجد واحة من الدبس، فإذا وصلتها وجدّتها واحة بالفعل وليس وهماً كما يحدث في الصحراء.

الناعم مرتبط بالجماعة، في ذات الوقت هو مأكول فرديّ، ولا أدلّ على ذلك إلا فكرة أكله رغم الشبع، حيث يسعى كلّ فرد لاقتطاع حصّته وعدم التأجيل، لأنهُ يعرفُ مسبقاً أن فرداً آخر من العائلة سيقضي على حصته ولن تفيده أي معاهدات سابقة تسري على باقي الحلويات أو الفواكه، أو حتى تلك العادات الإجتماعية، سيأكلون رغيفك ولو كنت أنت الأب.

ليس للناعم قياس واحد، ولا لون واحد، ولا سعر واحد، كما أنه ليس له ارتفاع معيّن وبالتالي فقد اخترعوا علباً للفلافل حتّى، ولكنهم عاجزون عن اختراع علبة للناعم، ليس للناعم تاريخُ صلاحية لأنه لايبيت أصلاً، فلا بسطة ناعم إلا وتنفّق ماعندها قبل الفطور، ولا منزل يبقى فيه الناعم أبعد من أذان العشاء، الناعم بعد الفطور سلعة مفقودة لاتجدها في الأسواق ويخبّئها الناس أمام زوارهم، ويبقون قلقين من أن يتسلل أحد أولادهم للمطبخ فيرى الناعم فوق رؤوس الفرن، غير قابل للاختباء في خزانة أو براد.

الدبس فوق الناعم هو لوحة تشكيليّة، يستحيلُ أن تعاد مرّتين، كما أنّ لكلّ بسطة طريقتها في وضع الدبس، فمنهم من يدوّر الشوكة الخشبيّة الكبيرة ومنهم من يأتي ويذهب بها بشكل متوازي، ومنهم من يقاطع الخطوط كشبكة ومنهم من اخترع طرقاً سريّة أخرى بحيث يقنع الشاري أن الرغيف ممتلئ وأن زيادة الكميّة تزيد المرار وتُذهِبُ العقل.

القرمشة في نهش الناعم مسموحة، لاتشبه أي قرمشة أخرى، انها قرمشة ذات صوت منخفض، ناعم، يتضائل تدريجيّاً حتى يختفي ويختفي معه همّ صاحبه وتذمّره، فتجد الجميع بعد أكل الناعم لايفكرون في شيء، بل تتشكّل أماهم شلالات بألوان العسل وتنبسط أمامهم سهول صحراويّة مذهّبة رائعة لايشعرون فيها إلا باللذة وينسون معها عذابات الصيام.

هناك اعتقاد قديم أنّ الناعم كان تحليةٌ للنخبة من رجال الامبراطوريات العظيمة، وهو الذي مكنهم من المحافظة على قوتهم وذكائهم وهو سببُ انتصاراتهم في المعارك وغرف النوم، وهو سبب الخصوبة والحياة والمستقبل والمتعة الأصليّة، جرّب تشارك هذه الكذبة مع أحد يأكل الناعم، لن يناقشك بالطبع لأنه أرضى غروره للتو ببعض الناعم.

أما المغتربون، فهم لايشتاقون في الحقيقة إلى الناعم، بل يشتهونه، ولايشتاقون إلى تصبّغ أصابعهم بالدبس فقط بل يبكون لأجل ذلك، لم تعوضهم كلّ المحاولات الفرنسيّة والبلجيكيّة في انتاج حلويات اللذة، كما لم تعوضهم الأوروبيات عن بنات البلد، فتجد أخواتهم وأمهاتهم يقضون قبل الظهر في مجموعات الفيسبوك النسائية وبعد الفطور يذهبون للتراويح لمعاينة الفتيات فيعدن إلى الواتساب لوصف العروسات المتوقعة لأبنائهم.

هكذا هو الشرق، ناعم في رمضان

وسيم السخلة، رمضان 2022

لتعارفوا.. رحلتي إلى اكسبو دبي 2020

لتعارفوا.. اكسبو 2020

قبل أن تقرأ/ي

هذه تدوينة طويلة، أو لنقل حديث طويل يحتوى على عشرات الصور وآلاف الكلمات التي لن تكون بحال من الأحوال قادرة على تقديم حدث اكسبو دبي بما يليق به، إنها مجرّد محاولة أنقل فيها لبعض المتابعين بعض الأجوبة عن أسئلتهم عن هذه الرحلة، إنّ معظم الصور تمّ أخذها في حالة دهشة ولذلك هي غير احترافيّة وغير شاملة وقد تكون أُهملت أهم العناصر أثناء التقاطها، أشجّع جداً على العودة إلى: موقع اكسبو لكسب زيارة افتراضية ومتابعة صفحة انستغرام اكسبو لعيش تحديثات آنيّة للأحداث

أبداً بكتابة هذه التدوينة وعلى جانبيّ آلاف الأشخاص الذي لايُشبه أحدهم الآخر، أشاهد عشرات الجنسيات والألوان، ألف طريقة في ارتداء الثياب، ألف ذوق في انتقاء ألوانها.. من حولي العالم وأنا وسطه الآن، ساحة الوصل – اكسبو2020  

حضرت عشرات المعارض المحليّة في سورية ولبنان التي ألصقت باسمها كلمة اكسبو، لكن عندما سمعت بإكسبو العالمي للمرة الأولى كان ذلك قبل سنتين، حيث كانوا يعلنون تأجيله بسبب انتشار كوفيد-19 والإجراءات الاحترازية التي لجأت إليها كلّ البشرية حين توقف العالم واختبر شكلاً جديداً من السجن الكبير معاً

في الشهور التالية توالت الأخبار عن تأجيل اكسبو وعن التحضيرات الضخمة التي كانت تحضّر، وحتى يومها لم أفكر في زيارته، لأنه كان شيئاً غير أكيد الحدوث ولم نكن نعرف اليوم التالي أي فيروس سنحمل ونحن في بيوتنا، أتذكرون تلك اللحظات حين كنّا نغسّل أكياس الشيبس ونفتح الأبواب بأكواعنا؟

مضى وقت طويل نسيت فيه الموضوع، عندما عدّت إلى سورية خلال الأشهر الماضية بعد سنوات من الإقامة في بيروت شعرت بأنّ الجائحة قد انتهت بالفعل، فلم أشاهد كمامة واحدة وكان تعبير “مكورن” يشبه تعبير “والله متغدي وجاي” بين السوريين، الحبيباتي طبعاً.

في نهاية العام بدأت بمراجعة للسنة، وكانت كأنها مراجعة للسنتين الماضيتين حيث اتصلتا بشكل غير مفهوم، تذكرت الرحلات المعدودة التي كان يجب أن أكون فيها لأغراض دراسيّة أو تدريبيّة وبعضها كان في مرحلة حجوزات الطيران وألغيت فجأة بسبب انتشار كوفيد-19. هنا لمعت الفكرة للمرّة الأولى، لماذا لا أزور العالم في مكان واحد..؟

قلت لأصدقائي أنني سـأحضر اكسبو في شهر شباط فقالوا أي منحضر، وبدا ذلك حديثاً من نوع “خلص بدنا نزبطا” السوري المعتاد. أخذت بإقناع أصدقائي بالسفر لملاقاة العالم، بدا ذلك مكلفاً جداً فبدأنا بحساب التكاليف، وقد تحولت النكات التي أضحكت عليها أصدقائي حول أننا سنشتري علبة جبنة للعشاء والفطور أمراً واقعاً بعد أسابيع فقط.. حين نزلنا في فندق بعيد وسط ضاحية صحراويّة ستصبح خلال أشهر احياءاً مدينيّة تماماً

بدأنا بالبحث عن ارخص تأشيرة دخول، وأرخص تذكرة طيران وأرخص فندق وأرخص تأمين صحي، حمّلنا جميع تطبيقات الوصول السريع في دبي.. لنفاضل بين المترو والترام والباص والتاكسي، بدأت المصروفات تتوالى وتزيد.. ازدادت بعد أن كان القرار قد اتخذ.. سنذهب إلى اكسبو

حجزنا لاختبار كوفيد-١٩ رغم أننا جميعاً من أوائل متلقي اللقاح، لكنها شروط الامارات التي لا تعترف بالاختبار السوري أصلاً، وتجري لك اختباراً فور الوصول، لكن في ذات الوقت تطلب اختباراً سلبياً قبل ركوب الطائرة إليها..

ظهرت نتيجة الاختبار سلبيّة لي ولغيث كما هو متوقع، فنحن من أوائل متلقي اللقاح، لكنّ نتيجة علاء وأنس تأخرت، ثم ظهرت ايجابيّة.. بهذه البساطة تكركبت الرحلة تماماً، لقد قضينا أوقاتاً طويلة في الأسبوع السابق معاً، وليس هناك أي أعراض على علاء على الأقل.. لكنها النتيجة التي لا يمكن تغييرها.. لن يسافر الشباب معنا حكماً في الغد.

اتخذنا قراراً بتأجيل حجز الفندق لأسبوع على أن ننطلق أنا وغيث في موعدنا وننزل في منزل أقاربه بالخليج التجاري وسط دبي.. وعلى أن ننتظر الشباب أسبوعاً اضافيّاً لينضموا لنا في التجربة..

لنتحدث عن ماهيّة اكسبو أولاً

 اكسبو تعني المعرض وهي مشتقّة من الفرنسيّة، تقام معارض اكسبو الدولية كل خمس سنوات وتستمر لفترة أقصاها 6 أشهر حيث تستقطب ملايين الزوار، ويرجع إقامة هذا المهرجان إلى القرن السابع عشر، مروراً بثلاثينيّات القرن الماضي حين تمّ إنشاء المكتب الدولي للمعارض، وهذه المرّة في 2020 هي الأولى في تاريخ تنظيم معارض اكسبو الدولية التي يتم استضافتها في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا. تهدف هذه المعارض لتثقيف الجمهور واشراكه في الرؤية المستقبليّة في مختلف المجالات، وتعتبر دوليّة حيث تشارك بها الحكومات والدول والجمعيات، والمؤسسات والشركات والهيئات

الامارات واستضافة اكسبو 2020

تفوَّقت دبي في التصويت لاستضافة المعرض على ساو باولو البرازيلية ويكاترينبرغ الروسية وإزمير التركية، إذ حصلت على تأييد 116 من أصوات أعضاء المكتب الذين لهم حق التصويت، والبالغ عددهم 164، ودبي كما هو واضح منذ سنوات تسعى لتكون الفضاء المشترك الجديد الذي يتيح التواصل والابتكار للدول، وهي اليوم بالفعل أخذت مكان عدة عواصم محيطة مختلفة رغم عمرها الذي أطفأت شمعته الخمسين قبل أشهر فقط، بالتالي هذه المدينة تفوقت بالفعل على المدن التاريخية والكبرى في الشرق فباتت اليوم تستقطب العالم، وباتت عاصمة العالم العربي بالنسبة لكثير من الشعوب والدول الأخرى

أعدّت دبي جيداً لهذا الحدث الضخم، أقيمت مدينة اكسبو كما يروق لي تسميتها على مساحة 438 هكتار في مركز دبي التجاري في الطرف الجنوبي الغربي لإمارة دبي، يتميز مكان المعرض بموقعه الاستراتيجي على مسافة واحدة بين إمارتي أبوظبي ودبي، وقربه من مطار آل مكتوم الدولي الجديد، وميناء جبل علي الذي يُعدُّ ثالث أكثر الموانئ نشاطًا في العالم. كما يتمتع موقع المعرض بمزايا لوجستية واضحة بالنسبة للعارضين الذين سيقومون بجلب المواد وبناء الأجنحة، أو بالنسبة للزوار من حيث سهولة معرفة الموقع والوصول إليه

الجديد في المعرض الدولي منذ قيامه هو ترجمة شعاراته وقيمه إلى واقع ملموس، ما يساهم في إحياء الرسالة التثقيفية لمعرض «إكسبو». وتُعدُّ «قاعات ومختبرات الابتكار»، بالإضافة إلى «الوصل بلازا»، من أبرز المعالم التي طورها «إكسبو دبي الدولي 2020» في هذا المجال. ويضمن الشكل الدائري لخريطة الموقع والتوزيع المنسق لقاعات وأجنحة العرض حول مركز الموقع، والذي تم تصميمه بوحي من شكل السوق التراثي العربي، رؤيةً جلية لجميع قاعات العرض. ويحتل مفهوم الاستدامة صدارة الأولويات، حيث وضعت أهداف طموحة لتطبيقاته، تشمل توليد 50 بالمئة من الطاقة التي يحتاجها المعرض في الموقع نفسه ومن مصادر قابلة للتجديد وبطريقة لا ينتج عنها أي انبعاثات للكربون

قبل أن تبدأ دبي بعرض خدمات الإستضافة كانت متأكدة أنّ لديها الإمكانيّة، نحن نتحدّث عن مطارات وفنادق وخطوط مترو جديدة وموانئ وآلاف الأطنان من البضاعة وآلاف الأفكار والأنظمة الذكيّة ومئات آلاف العمال والموظفين، الحديث هنا عن استضافة العالم، ياللهول كم كان ذلك ضخماً

هل هي رحلة سهلة عليّ؟

عملت دبي على أن يكون اكسبو سهل الوصول، وفرت عروض طيران وخدمات فندقيّة لملايين الزوار، بالطبع فإن تكاليف الوصول والإقامة في دبي هي مرتفعة جداً إذا ما قورنت بالدخل والقوة الشرائيّة داخل سورية، وقد لاحظت هذا من كون التكاليف على من تعرّفت إليهم من جنسيات أخرى عاديّة ومقبولة، لكن مثلاً متجر التذكارات في اكسبو أرخص تذكار لديه وهي بطاقة بريدية قد يبلغ سعر 4 منها راتب موظف بمنصب مدير عام في سورية!

أيّام الدهشة!

الدهشة هي رفيقة الزائر في اكسبو، في البداية فإن الشارات الصفراء التي تشير لإكسبو وطريق اكسبو تجدها في كلّ مكان، في أيّ دكان ستجد فيه جوازات سفر اكسبو وهو اصدار خاص تذكاري يمكن لأي أحد شراءه..

اذا قبل الوصول لإكسبو أنت موعود بالسفر حول العالم، إنها الفكرة الأساسيّة، تجتمع دول الكرة الأرضية اليوم لتقدّم لك أجمل ما تعتقده عن نفسها، لتقول لك عن ماضيها، لتُريك الحاضر، والبعض سيدفعك لتكون جزءاً من مستقبله..

في المترو تجد الآلاف يتوجهون معك، الجميع ينتظر الوصول، على الرغم من الطريق الطويل والازدحام لكنّ الجميع متحمّس، كيف لا والكل يعرف أنّه سيُلاقي العالم..

تخيّل أن تستقبلك عشرات الابتسامات الملوّنة، في الوصول تستقبلك الضحكات، هذه المرّة ليست وجوهاً تعرفها، عشرات الجنسيات من المنظمين الذين هم من أمم كثيرة لم نعرفها قبلاً.. ربّما لم نسمع بها حتّى.

توجهنا لشراء التذاكر، وجدنا طابوراً صغيراً فضل الشراء بشكل مباشر وليس أونلاين، اشترينا التذكرة الموسميّة التي سيتمّ تخفيض سعرها في اليوم التالي للربع فقط! لكن ربحنا معها بطاقة خصومات جيدة القيمة في مجموعة مطاعم بداخل اكسبو، أخذنا الخريطة من روبوت يذهب ويأتي على عجلات متوسطة، توقفنا تحت أعلام الدول في المدخل، وبدت رهبة اكسبو مختلفة، نحن هنا الآن!

أخذنا الصورة التذكاريّة الأولى.. كانت الشمس ساطعة والعيون تلمع، بالمناسبة إنها المرّة الأولى منذ بداية كوفيد-19 التي أرى فيها هذا الالتزام الجماعي بوضع الكمامة، والذي سيستمر كلّ الأيام.. ليس هناك من فرصة لخلع أو زيح الكمامة عن الفم والأنف، حكماً خلال ثواني ستجد روبوت يحذرك أو منظّم يشير لك بلطف لإحكامها.

من المدخل إلى ساحة مدهشة مدوّرة مسقوفة تسمّى الوصل، يالله ما أجمل هذا المفهوم، يقدم اكسبو دبي نفسه كونه الوصل بالحلقات بين كلّ الدول والجنسيات، وسقف الساحة مصمم كحلقات الشعار، حلقات متجاورة متنوعة تشكل نوراً يتوسع وكأنه شمس تنتشر فيها الحلقات نفسها وقد تغيّرت أحجامها..

تقع ساحة الوصل في قلب الموقع، لتشكل حلقة وصل بين مختلف أجزائه وتتميز بقبتها الاستثنائية التي توفر شاشة عرض بانورامية بنطاق 360 درجة، وهو ما يمنح الزوار تجربة غامرة يمكن مشاهدتها من الداخل والخارج على حد سواء

استلهم تصميم شعار expo 2020 من قطعة أثرية عُثر عليها أثناء واحدة من عمليات التنقيب في موقع صاروج الحديد الأثري في الإمارات، حيث تتميز هذه القطعة بقيمة خاصة، وهي عبارة عن حلقة ذهبية تمتد جذورها إلى مئات السنين، وتعبّر بأن الإمارات كانت وما زالت ملتقى للحضارات والثقافات المتنوعة.

وتصل الساحة – الوصل بين مناطق الموضوعات الثلاثة للحدث وهي: الفرص والتنقل والاستدامة، وهي الوجهة الرئيسية للعديد من الأحداث والفعاليات.

وتشكل الشبكة الفولاذية لقبة ساحة الوصل نسخة ثلاثية الأبعاد لشعار إكسبو 2020 بارتفاع 67.5 متر وعرض 130 مترا وتزن 2544 طنا، وتتكون من 1162 قطعة من الفولاذ، تم تجميعها في 600 جزء في مصانع بإيطاليا وأبوظبي

في ساحة الوصل أنت مجبر للتوقف، إنها لحظة انبهار مفروضة، ضروريّة، غير اختياريّة، ففي الوصل وخلال أغلب الأوقات هناك عروض صوتية ومرئيّة مبهرة، والمقاعد مصممة لتكون غير مرئيّة او مرتفعة، أنت لا تقرر أن تأخذ مقعداً، بل أنت حين تدخل الوصل تصبح جزءاً من العرض والألوان والأصوات، إنّ وجهك ولونك وملابسك وهؤلاء الآلاف مثلك هم مفهوم الوصل نفسه، لا يمكن أن تصطدم بأقل من 40 جنسية في أي اتجاه تنظر فيه، إنّه العالم بالألوان كما لم أعرفه من قبل..

في ساحة الوصل تُصاب بحيرة مقصودة، بالمبدأ هناك 3 اتجاهات رئيسيّة كما أسلفنا، لكن الحقيقة أنهم ألف اتجاه، ليس هناك مبالغة، هناك ألف وجهة، بين دولة أو شركات أو منظمات أو حدائق أو مسارح أو ردهات طعام أو مراكز خدمات أو فنادق أو شقق أو أكشاك صغيرة أو حتى نُصب تذكاريّة ودُروب خاصّة

في البداية غرفت في أجنحة الدول، الغرق هنا بمعناه الحقيقي، أنت محاط بكم هائل من الأفكار والتصورات، وبعد أيام من الزيارات قمت شخصيّاً بتقسيم أجنحة الدول بحسب الآتي، دول بحثت عن ملابسها القديمة ولبستها، دول لبست ملابس جديدة، دول فكرت بطريقة أخرى تماماً.. بعد أيام عدّت للتراجع عن هذا التصنيف، لأنني في كلّ جناح جديد (قمت بزيارة كلّ الأجنحة تقريباً عدا كيان لا نعترف فيه أصلاً) كنت أكتشف تصنيفات جديدة يمكن اضافتها، هذه التصنيفات ليست عن آخر الاختراعات ولا حجم ثروات الدول، إنها عن طرق التفكير، إنّ ما يجعل العالم متقدماً ومتأخراً اليوم لم يعد المال ولا القوة ولا الموارد الطبيعيّة، إنها طريقة التفكير فحسب والإيمان بكل شخص

محاور وتقسميات اكسبو الثلاث لهذه المرّة

يشكل اكسبو منصة استثنائية تتيح للمجتمع العالمي التعاون معًا لاكتشاف الحلول المبتكرة والرائدة للمواضيع الفرعية الثلاثة التي تم تحديدها كعوامل رئيسة للتنمية العالمية:

الاستدامة 

مصادر دائمة للطاقة والمياه: في عالم اليوم الذي تتسارع فيه خطى النمو، تتزايد أهمية الابتكارات المميزة في مجال إنتاج وتزويد واستهلاك مصادر الطاقة والمياه النظيفة. وتتلخص الأهداف الرئيسية للدول المتقدمة والنامية في تحسين فرص الحصول على هذه المصادر الطبيعية الثمينة، وذلك عبر اتباع أساليب الترشيد المسؤولة والإدارة السليمة والفاعلة، فضلاً عن اعتماد ثقافة الاستدامة

جناح الاستدامة هو تجربة لا يمكن نسيانها، نحن امام منطق جديد من التفكير، ليست أفكار جديدة فحسب، إنها أنماط تفكير جديدة.. هذا الجناح هو بكامله جناح مستدام أي مصنوع من مواد غير ملوثة ويمكن تدويرها، إن لهذا الجناح قدرة رهيبة على تغيير معتقدنا الأساسي حول مصير البشرية المحتوم، الأفكار التي قد يلزم الناس عشرات السنين لإدراكها بغية تغيير سلوكهم اليومي تجاه البيئة يمكن لرحلة من ساعتين أن تجعلك متورطاً فيها، حدّ التبنّي، الناس لا يخرجون من تيررا أو جناح الاستدامة كما دخلوا أبداً، كيف لا وهم يتعرّفون على المصائب التي يرتكبونها كلّ دقيقة تجاه الكوكب؟

التنقل 

أنظمة جديدة للنقل والخدمات اللوجستية: تعتبر أنظمة النقل والخدمات اللوجستية المتطورة شريان الحياة الذي يربط الناس والسلع والخدمات في جميع أنحاء العالم؛ وهي تتمتع بتأثير كبير على المدن، وأنماط السفر وأساليب شحن السلع، ومدى فعالية إيصال المساعدات الإنسانية. وفي الوقت الذي تواصل فيه الأسواق العالمية مسيرة نموها وتفاعلها، تبدو الحاجة ملحة إلى مصادر جديدة للابتكار بغية إيجاد حلول أكثر تكاملاً

إنّه عبارة عن spinner من الخارج، كتلة معدنية منسابة فضيّة مبهرة.. مبهرة تماماً، تأخذك في رحلة تاريخيّة عن تاريخ التنقل والتواصل بين الجغرافيّات الأرضية ومستقبل التواصل والتنقل، في هذا الجناح أنت تدور لتلحق بالغد، في هذا الجناح تسافر إلى المستقبل وتعرف أفكاراً سيلزمنا عشرات السنين حتى نعرفها في كتبنا المدرسيّة

الفرص 

سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ومع انضمام المزيد من الدول الناشئة إلى الاقتصاد العالمي، تبدو الحاجة ملحةً إلى نماذج عالمية جديدة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار المالي. يشكل معرض “إكسبو الدولي 2020” في دبي منصة مميزة لتكريس نماذج جديدة لتدفق المقدرات المالية والفكرية الكفيلة بتعزيز روح ريادة الأعمال والابتكار. كما سيركز على اكتشاف سبل الترابط وتحديد الشراكات المحتملة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج إرث من الابتكارات الجديدة.

هذا الجناح هو ثلاثة أجنحة بالواقع، في كلّ منها تتعرّف على أشخاص مبتكرين قرروا أن يغيّروا واقع مجتمعاتهم من حول العالم، كما أنك أمام تجربة تخوضها من خلال منطق التلعيب، حيث تدرك من خلال لعب تنافسيّة دورك في مستقبل الأرض.. إنه جناح مثير بالفعل لأنك فيه لا تنتظر المستقبل أنت تتعرّف على أشخاص عاديين قرروا أنهم غير عاديين وباتوا في المستقبل بالفعل.. إنهم يروون لك قصصهم، ليست قصص نجاح كالتي نعرفها، إنها قصص تحدّي

البساطة والتعقيد

اكسبو دبي بسيط ومعقد في آن واحد، يمكن لك زيارته والتمتع بالفعاليات والعروض اليوميّة والساعيّة فيه، ويمكن لك حمل ألف دفتر ملاحظات لأخذ الأفكار والتعلّم، أنا على ثقة أنها ستمتلئ.. تبدو لك مقاعد حجريّة منتشرة لكنها كلمات منحوتة ومكتوبة بالخط العربي، تبدو لك سلات قمامة حديثة لكنها تعالج وتضغط النفايات، تبدو لك مظلات معدنيّة لكنها تولّد الطاقة من الشمس، تبدو لك حديقة لكنها مفهوم كامل، يبدو لك طريق عريض لكنه يصل بين طرفي العالم في دول متنوعة، تبدو لك عربات عاديّة تنقل ركاب، لكنها حافلات صغيرة للبروتوكول، وحافلات تاكسي وحافلات مجانيّة وقطار استكشاف ودراجات للإيجار وغيرها، تبدو لك محطة عابرة فيما هي استراحة لتلقي أفكار عرضيّة، تبدو نوافر مياه لكنها تستخدم للتبريد من خلال الرذاذ.. يالله ما أكثر الأفكار الصغيرة التي تحسّن من تجربتك وحيداً او مع الأصدقاء أو مع العائلة


الإبهار والتقنيات

لقد اجتهدت الدول لتقديم أحدث ما وصلت إليه، أول لنقل استخدمت بالفعل أفضل ما وصلت إليه.. نحن لسنا أمام معرض للابتكار، لقد كنّا نستخدم هذا الابتكار بالفعل، ويبدو أنّ زمن الصورة والفيديو والكتابة بشكلها القديم قد انتهى اليوم، كنّا في اكسبو أمام تجارب بصرية ترجع بك آلاف السنين لتعيش قصّة أو تأخذك في رحلة افتراضيّة من طائرة المستقبل، بعض الدول ولّدت المياه من الهواء في جناحها، بعضها استحضرت جبال الألب مع هوائها وبعضها عوّمت جناحها فوق المياه تماماً لأنها جزيرة بالأصل، دول أخرى جعلتك تعيش بداخل حاناتها التي تنتج موسيقى وتلمس شجيرات البن والكاكاو، دول أخرى اصطحبتنا في الغابات التي تتميّز بها، ودول أخرى استضافتنا في رحلة على كوكب آ خر.. هل يمكن تخيّل جناج اليابان من الداخل، لا يمكن.. بكل صدق.. كان حلم لم يسبق لنا النوم لأجله


هناك دول أخرى جعلتك تشمّ رائحتها على بعد آلاف الأميال، هناك دول صغيرة فضّلت الحديث عن ناسها، أخرى رأت أن طبيعتها هي أهم شيء، هناك دول لم تسمع بها من قبل يمكن لزيارتك لها أن تعطيك دروساً في استشراف المستقبل وفتح الاستثمار والذكاء الصنعي وهناك دول لا تخجل بحروبها بل تعيد أمامك سيرتها لتريك كيف تعلّمت ودول أخرى استقبلك حاكمها بفيديو ترحيبي ودول أخرى أبدعت أفكاراً في سحرك، قد تبيّن الصور بعضها

مئات الفعاليات

قد يخالُ لك أن إكسبو هو معرض، في الحقيقة هو عالم من الخيال، في كلّ يوم عشرات الفعاليات، الفنيّة والفكريّة والثقافيّة والترفيهيّة، في كل ساحة من الساحات هناك شيء ما جديد كلّ يوم، هناك ثقافة ما يتمّ بثّها، لقد جمع المنظمون أفضل ما في هذا العالم لأجل متعتك وتجربتك، = أتقنوا مسألة مهمّة هي تحدي الذات، لقد تفوّق المنظمون على عقولنا، وهذا ليس مبالغة لكنه اعتراف بأنّ كلّ تفصيل في الحدث يحترم كونك إنسان ويقول لك تحرّك.. المستقبل بدأ وأنت هنا هيّا تعال

أفكار تجعلنا أفضل

التقنيات في اكسبو وفخر الدول بها لم تستخدم هذه المرّة لتقول لك نحن وهم وأنتم وهؤلاء، إنها تستخدم لتجعلنا أفضل جميعاً، القضايا التي تنصّب بعض الدول نفسها للتصدي لها هي قضايا الإنسانيّة في الواقع، قضايا البيئة والاستدامة والمستقبل والتعليم والفقر يتمّ التفكير بها بدرجة عليا من المسؤوليّة، نعم هناك شركات تقوم بهذا لكنّ الاستثمار لطالما كان محرّك المستقبل وعجلتهُ الأساسيّة

تفتيش الذاكرة الجمعية

قد يخطر للبعض أن منظمي الحدث قد استقدموا كلّ جديد ليصمموا تجربة الإبهار هذه، هذا جزء فيه صحّة لكنّ الأصح أنهم أيضاً قاموا بالتفتيش في ماضيهم مهما كان قريباً، فأعادوا خلق المفاهيم، وبات كلّ شيء جميل في أصله قصة قديمة، من تخطيط عالم اكسبو الذي يشبه تداخل الأسواق الشعبيّة العربية وحتى نوافير المياه والدروب الواصلة بين الساحات والأركان المظللة الكثيرة للاستراحة وحتى للتدخين، لن تشعر بالغرابة في اكسبو، ستشعر كيف أنّه أعيد استخدام أشياء تعرفها جيداً، سترى الشخصيات الكرتونية وقد تحولت لمشاريع تغيير، للأطفال أركان، للمتعة البصريّة أماكن، للراحة أماكن وحدائق، حتى الشمس والقمر تمّ استحضارهما لإضاءة حديقة في المساء، الأسماء التي سمّيت بها الدروب والساحات كلّها نعرفها.. أماكن العبادة والرياضة وغيرها

 

الطعام! تذوق لأول مرة

عمل اكسبو على فتح أكثر من 200 منفذ للطعام، أقولها بثقة لا يشبه منفذ آخر، في اكسبو لأوّل مرة كنت أمام مطبخ عالمي، من روائح توابل الهند مروراً بمناقيش الزعتر الفلسطيني وحتى ردهات الطعام الإفريقيّة التي طلبنا فيها أطباق لم نسمع بها من قبل ولم نشمّ رائحتها قبلاً، إنه مطبخ العالم ببهاراته الأساسيّة، لا طاه يشبه الآخر، لا يوجد لوائح طعام متطابقة، لا منافسة، لأن الجميع يختبر أشياء للمرّة الأولى.. هل نتحدث عن أنواع العصائر التي لا تحصى؟ عن أنواع القهوة في بعض الأجنحة التي لم نعرفها قبلاً؟

اللغة العربيّة، هويّتنا

في الدول العربيّة الطامحة للحداثة كثيراً ما يترك السكان لغتهم العربيّة ويصير معيار تقدمهم كمّ الكلمات الانكليزيّة والفرنسيّة التي يستخدمونها، في الإمارات لا، هذه واحدة من الأشياء الأعظم على الإطلاق، انهم فخورون بالعربيّة، يتحدث اكسبو (من خلال كل شيء فيه لوحات وارشادات وعروض) كلّ اللغات بطلاقة، لكن العربيّة أولاً إلى جانب الإنكليزيّة وإنّ لهذا الاحترام من قبل المنظمين أثر كبير في فرض احترام العربية في أجنحة الدول، نعم أغلب الدول وجدت نفسها تترجم ما تعرض للعربيّة، إن اللغة جزء من الهويّة وهذا المعرض هو معرض هويّات

العالم هُنا

اكسبو فرصة لزيارة أفضل ما في العالم، قد يُتاح لنا زيارة بعض المدن من وقت لآخر، أما زيارة ما تعتبره كل دولة أفضل ما لديها فهذه هي الفرصة العظيمة، نعم يمكن أن نزور الدول لكن لا يمكن دوماً التعرف على تفكير مواطنيها وحكامهم، إنه العالم في مدينة صغيرة بالمساحة رغم أنها ستتعب قدميك بلا شك.. وهي بالتأكيد ستتعب عقلك، وستلهم أفكارك وتشعل مشاعرك، ستحب عيوناً لم تراها من قبل وتعجب بلكنات لم تسمعها في الأفلام، اكسبو سيُلوّن عينيك من جديد، ستعرف كيف أنّ الألوان هي كالطعمات، كلّ شعب يشعر بها بشكل مختلف ويستخدمها كما لا تستخدمها أنت.. دع عنك كلّ محاولاتك لتقبل الآخر، في اكسبو أنت الآخر، حتى أنت ستتعرف إليك من جديد، لأنك ستقارب كل ما تراه مع كل ما تربّيت عليه، ستقول نحن، وأنا كيف أفكر وكيف أشعر وكيف أعبر عن هذا وتلك من الأشياء غير المنتهية

لسنا ملوك العالم

في اكسبو ستدرك أننا جزءاً من هذا العالم، ولسنا العالم، وستلوم أبو فراس الحمداني على قوله لنا الصدر دون العالمين، الحقيقية أنّ الصدر لمن يغيّر آليات تفكيره كلّ يوم، سنعرف في اكسبو أننا بناة حضارة وهي جزء من حضارة الآخرين، وأننا أصحاب أبجديّة، ولكنها حروف الآخرين، وأننا أصحاب موسيقى والآخرون ألحانها.. نعم سينتزع منك اكسبو فكرة أنّنا محور العالم، سيضع مكانها فكرة جديدة بسيطة، كل شخص هو محور العالم فيما لو فكر بالعالم وسعادة العالم.. في اكسبو تتعلّم أنّ دولتك قد سمع بها البعض فقط، كما سمعت أنت بدولهم، الحقيقة أنك ستكتشف دولاً لم تعرفها، وستعرف أنّ الناس في أفضل أحوالهم يعرفون عن بلدك اسمها ولون علمها، وربما أغلبهم يقول لك كم تبعد بلدك عن دبي؟

لا أحد في الخلف

ليس هناك من أي قيود لمشاركة ذوي الإعاقة، إنّ تقنيات وصولهم لكل تفصيل في اكسبو مؤمّنة، كذلك كبار السن، كذلك الأطفال لهم أنشطتهم ومغامراتهم الشيّقة، في بعض اللحظات ستتمنّى لو كنت طفلاً لتحظى بمغامرة ما في اكسبو، الأجنحة أيضاً لم تنسى الشباب، جناح الشباب الذي تعبر فيه الإمارات عن وجهتها وكيف تستثمر في الشباب، جناح المرأة ليس أقلّ إبهاراً من أجنحة اكسبو الأساسيّة، جناح الرؤية الذي يجعل دموع الاعجاب غير قادرة على أن تبقى في العيون، إنها الرؤية التي بنيت على أساسها هذه المدينة، هذا الجناح هو هديّة المنظمين لعراب دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

لو كنتُ مسؤولاً قادراً في أيّ حكومة، او شركة، او منظمة، أو رابطة، أو عائلة لحاولت إيفاد ما أمكن من الناس حولي لتعلّم التفكير، لتعلّم إعادة التفكير

حيّاكم.. وسيم السخلة

لماذا أدرس العلاقات الإسلاميّة – المسيحيّة؟

منشور من صفحة عامة بتاريخ 30/04/2021

بينما أستلمُ بريداً من دكتورتي المشرفة في رسالة الماستر رأيتُ هذا المنشور على فيسبوك، دفعني الفضول بالطبع لأراجع التعليقات وأجد أنّ المئات منها يتناول معتقدات المسيحيين عن قصد أو جهل أو تسلية!

لقد أعادني هذا إلى السؤال الذي يُطرح عليّ يوميّاً ممّن أقابلهم، لماذا اتجهت لهذا التخصص بعد العلوم السياسيّة والإعلام؟

لقد عشنا لسنوات طويلة معاً، لكننا لانعرفُ بعضنا البعض، لانعرف عن معتقدات بعضنا فلا نحترمها، نجهل طقوس الآخر فنستهزئ بها..

فكّرتُ قبل سنوات أنّ التطرّف هو المُنتج الأوّل للجهل، للأسف كلّ ما تعلمناه أبقانا مجهولين بالنسبة لبعضنا البعض، دوماً ادّعينا أنّ الحديث في الطوائف والمعتقدات هو حديث منبوذ ويُفرّق، ولكن ماذا الآن؟ هل نحن مجتمعون بالفعل؟

يكفيكم نظرة واحد إلى التعليقات في منشور بصفحة عامة لتعرفوا كم أننا نحتاج قبل أن نتحاور ونتجاور ونبني ونتعاطف، نحتاجُ أن نعرف، أن نعرف أنفسنا أولاً والآخر أيّاً كان..

أدركُ أنّ جهودي سواء فيما ساعدتُ به من حوارات أو شاركتُ به أو أطلقتهُ مثل بيانو (لقاءات إسلاميّة مسيحيّة) هي جهود متواضعة جداً وربّما غير منظورة أمام ما يُفرّقنا كلّ يوم، إنّ رسالة الماستر التي أعدّها حول صورة الآخر في المناهج التربويّة السوريّة هي محاولة علميّة لوضع هذا الأمر على الطاولة بعد قرن سوريّ كامل لم ننجز فيه مواطنة تجمعنا، فمتى تكثرُ المحاولات وتُنتجُ تغييراً طالما انتظرناه نحن الحالمون بسورية أفضل؟

وسيم السخلة

01/05/2021 بيروت

نبني وطناً والآخر ليس خصمنا

*نُشر هذا المقال إلى جانب بعض المقالات المُختارة في كتيّب تم انتاجه في ختام المدرسة الصيفية 2020 حول المواطنة والحركات الإجتماعية والتي أقامتها جامعة القديس يوسف في بيروت، يمكن الإطلاع عليه من الرابط: اضغط هُنا

هل تُعيدُ الثورات إنتاج ما انتفضت عليه أحياناً من إقصاء للآخر وتفرّد بالقرار و شموليّة في التفكير وصهر للاتجاهات؟

هذا هو أكثر ما يشغلني الآن وأنا أرى ما يحدث من حولنا في الشرق، لأنني أتفهم الغضب الذي يدفع الملايين للتحرّك في كلّ مكان، وأعيش المعاناة التي يثورون عليها في كل ساعة فإنني أدرك أيضاً كيف يضمرُ فينا الإحساس بالآخر المختلف ونبدو كسيل جارف جماعي يريدُ خلاصاً سريعاً، وهذا السيلُ الذي هو نحنُ نؤمن جميعاً أنّهُ يحتوينا جميعاً ولكننا نغفل حقيقتهُ.

والحقيقة تبدو قاسية كما هي في كلّ مرّة، ليس الجميع متفقين على كلّ شيء، وهذه الحقيقة تحملُ إنسانيّتنا نحن البشر المختلفون، قد لانتفق على الثورة وقد نتفق عليها ونختلف في الوسيلة ونختلف في التوقيت، وقد لا يكون توصيفنا واحداً ولا هدفنا واحداً ولو تلاقينا في الشارع كلّ يوم ولو رفعنا لافتات ترضينا جميعاً..

المواطنون والمواطنات في كلّ مكان متنوعون في طرق اهتمامهم ومشاركتهم في المجال العام، منهم من يفضّل الأحزاب السياسية لذا فالقول أنّ زمنها انتهى هو محضُ وهم، منهم من يفضل الركون لمرجعية دينية أو طائفية ومهما ادّعينا  العلمانيّة فإنّها لم تنجز حتى الآن في الشرق، ومازال فهمها مشوهاً، وبكلّ أسف قد لا ننجزها في العقود القليلة القادمة.

هناك من يستخدمون الساحات الحرّة تماماً، وآخرون لديهم مصالح اقتصادية وبعضهم اتجاهات ثقافية، وهناك أجيال كبيرة وأجيال شابّة، مقيمون ومغتربون، من يخاف ومن يقلق، من الناس حولنا من هو منتفع ومن هو مُدان ومن هو متورّط، أن نقول أننا جميعنا ثائرون، هذا افتراض تكذّبه اليوميات التي نعيشها.

الأحداث الكبرى بتاريخ الأوطان لاتُحسمُ بأيام ولحظات ثوريّة فقط ولو بدت هكذا أحياناً ونحنُ نقرأ مقتطفاً تاريخيّاً، إنما النضال لأجل التغيير والتحرر قد يمتد عقوداً حتى تبدو عملية التغيير وقد أنجزت بالفعل وصارت في الضمير الجمعي للمواطنين والمواطنات، قبل أن تكون في حناجرهم فقط، لم يعد يكفي أن نقرر التغيير وأن نغضب بل هو الوقت الأنسب للتحرّك قبل أن نسقط جميعاً ومعاً، في معارك الأوطان لاتربح طائفة أو مجموعة وإنما نخسر وطناً أو نبنيه لنا جميعاً، بالمناسبة هذا ينطبق على كُل وطن في شرقنا الجميل.

هناك نظريات مختلفة في عمليات التغيير وآلياته، لا أودّ مراجعتها في هذا المقال البسيط بل أسعى للقول أنّ الثورة لاتكون ثورة إذا كنّا نراها فقط في الساحات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، هي ثورة في المكان وفي كلّ مكان، ثورة في عقولنا لتحريرها من رواسب فكرية، وهي ثورة في العائلة الأبويّة وثورة في العمل الذي ينتهك الحقوق وفي الجامعة التي لاتحترم العقول وثورة على كلّ ماهو ظالم وكلّ ما هو اقصائي وشمولي، الثورة فعلٌ ضميريّ أولاً ولو بدا هذا الشعارُ مثالياً جداً، لنغيّر ما حولنا يجب أن نغيّر ما بداخلنا.

لكي نبني أوطاناً نرضاها علينا أن نفهم الآخر المختلف، الذي لا يشاركنا اللحظة ولكنه يشاركنا المعاناة، لربما كان ضحيّة ما نحاربهُ نحن فبدا أنه جزءٌ منه، علينا أن ندرك أننا مسؤولون عن انخراطه معنا وليس النظر إليه كخصم وطرف الآخر، كيف نختلف على الوطن معهُ؟ إنّ واجباً على كلّ ثائر في أي سياق أن يأخذ بيد الآخرين وخاصة إذا كانوا من نفس البيئة التي ينتمي إليها و يتشاركون معه المواطنة والحقوق والواجبات، صناعة الأوطان العادلة لا تقوم بها فئة دون أخرى ولا حركة اجتماعية واحدة، بل هو مدّ الأيادي بين الجميع لخلق واقع ومستقبل جديد، الأجيال القادمة ترتّبُ علينا مسؤوليات أخلاقية فيها تنازلات وفيها تضحيات يجب أن تأخذنا نحو إرادة جمعيّة نعمل فيها معاً ونرتّب المستقبل سوياً.

ما أراهُ وأسمعهُ اليوم وكلّ يوم يجعلني أكثر قلقاً على وحدة البلد أولاً في ظل بعض الطروحات الإنفصالية، ويقلقني أكثر على استقلال البلد ونحن نرى الارتماء والاستقواء في الأجندات الإقليمية والدولية، كما أننا نخاف جميعاً من اشتعال حرب أهلية كان الناس يتغنّون منذ أشهر أنهم قد دفنوها إلى الأبد عندما نزلو معاً. التغيير في بلد وظروف معقدّة يحتاج لتعاطي استثنائي، هناك فرص متعددة، بدءاً من الانتخابات البلدية والنيابية مثلاً، كيف ينظم المنتفضون أنفسهم لهذه الاستحقاقات القادمة؟ هل تُترك الساحات مرّة أخرى للأحزاب والجماعات الدينية المنظمة والتي تحترف هذه الآلية الديموقراطية لدرجة أننا جميعاً نشعر أنها ليست في أيدينا ولا فائدة مرجوّة منها؟

إنّ النهج الإقصائي الذي بدأ يظهر في خطابات بعض من نصبّبوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة أيضاً يهدم ولا يبني، كيف نكذّب الناس الذين نزلوا في كلّ مكان والذين كانت مطالبهم واضحة وجليّة وباتت تُختصر الثورة وأهلها ببعض حسابات وسائل التواصل الإجتماعي ممن لديها قدرة على تمويل ودعم وصول المنشورات؟ هل باتت مجموعة من محترفي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي الثورة؟ التي تقسّم وتُقصي وتسيء وتتفاوض لدرجة أنّ الخطاب الإقصائي بين بعض القوى المدنية بات أسوأ من خطابات السلطة وهي تأكُل بعضها.

كان قدرُ الحراكات الشعبيّة دوماً أن تحميل وزر الانهيارات، ويتم تحميلها مسؤوليّة الهشاشة الإجتماعية وهذه الخطابات التقسيمية أحياناً والإتهاميّة مرّات كثيرة، ولهذا على الثورة أن تنقذ نفسها، ولابدّ من التحضير للاستحقاقات القادمة، إن الركون لتأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي على الناخبين هو رهانٌ غير محسوم في بلاد تحكمها الطوائف، فلا يجب نسيان أنّ الأحزاب السياسية التقليدية لديها أجهزتها ومؤسساتها الطائفيّة\ الحزبية\ المناطقيّة ولا يمكن تجاهل حجمها وأدوارها بل يجب السعي يجديّة هذه المرّة لتكون الانتخابات فرصة الثورة فتزيح بها بالقانون والدستور ما أزاحته الساحات من خوف وقلق بين الناس، لم يعد هناك رفاهيّة للانتظار، هذا زمنُ الحرائق، كلّ شيء حولنا يحترق فلنعمل معاً لأنّ الحريق يمتد، وهذا قدر جيلنا انها معركة الهويّة الوطنية الجامعة والتي لم تُنجز سابقاً فهل ننجزها اليوم في أوطاننا؟

 

وسيم أكرم السخلة \ بيروت 2020

غلاف الكتاب الصادر عن المدرسة الصيفية

 

© 2024 Waseem Al Sakhleh

Theme by Anders NorenUp ↑