مجسّم مبنى رئاسة الوزراء وكان مُصمماً ليكون وزارة للخارجيّة فقط عند تصميمه وتنفيذه.

بينما أكتب هُنا وأنتم تقرأون يكون الوزراء الجُدد يفتحون التهاني التي وصلت إليهم سواء عبر الاتصالات الشخصيّة أو الرسائل في المواقع الإجتماعيّة وقد يتفاعلون مع بعضها القليل بحسب المُرسل، ولاشكّ أن هذه التهاني تتلقاها عائلاتهم القريبة والبعيدة ومحيطهم المقرّب.

لا تخلو هذه التهاني من كلمات جاهزة وتمنّيات صادقة، وأخرى كاذبة، كما أنها لاتخلو من الغمز واللمز عن مجموعة المُنضمين إلى نادي الوزراء السابقين، الذين سيعودون لشغل مسؤليات غير مرئيّة في غالب الأحيان، وربّما تفرّغ بعضهم لإدارة أعماله، وآخرون للتدوين في المواقع الاجتماعيّة للانتقاد والاقتراح، بعضهم فقط سيبقى على أمل أن تستعيدهُ الدولة في وقت ما لاحق، لشغل وزارة جديدة تختلف عن وزارته السابقة، أو لمهمّات استشاريّة، ورُبّما يُنسى إلى الأبد، فقد حصل هذا كثيراً.

في العودة للوزراء الجُدد فهُم ينتظرون اتصالاً لترتيب أداء القسم الدستوري، بالتالي فهم منذ الأمس يفكرون باختيار الطقم المناسب، ورُبّما استدعى أحدهم خياطهُ الشخصي مساء الأمس لأخذ القياسات الجديدة بعد أسابيع من الترقُب والانتظار.

غالباً ستكون ألوان الطقم الرسمي للثلاثين وزيراً متراوحة ببن الأسود والكحلي والرمادي، حالها حال البلاد، أما ربطات العُنق فلرُبّما تتحرّرُ قليلاً وتجنحُ نحو اللون الزيتي والخمري.

أيضاً الحلاق صار مستعداً، عليه الانتباه فقد يطلبهُ الوزير الجديد في أيّ لحظة ليكون لحظة القسم مستعداً جداً، فقد لاتتكرّرُ الفرصة للقاء الرئيس لبعضهم.

من الوزراء من حفظ القسم عن ظهر قلب، ومنهم من يُحاول، أما القصر الجمهوري فيُريحُ الجميع ويضعُ القسم مكتوباً بخطّ واضح أمام الوزراء الجدُد.

سيحضُر الوزراء اجتماعاً توجيهيّاً مع الرئيس، ويُحاولون تدوين المُلاحظات، سيُكثرون من الابتسامات بين بعضهم وأمام الكاميرات، ويكثرون من تقديم الشكر لمن كان سبباً في هذا، طلب التوفيق من الله.

يتوجّهُ الوزراء إلى مكاتبهم، يستقبلهم موظفوا الوزراة كما في مسلسل مرايا، بينما يُفرغُ السابقون حاجاتهم، يحملون الصور الشخصيّة من المكاتب، يجمعون ما تبقى من أغراضهم، ويأخذون كلّ ما جاء إليهم مثل علب الضيافة والشوكولا والحلويات والأقلام وغيرها، سيتركون فقط الكُتب التي تزيّنُ المكاتب، ولو كان عليها اهداء باسمهم.

سيلتقي الوزيرانُ في المكتب ذاته، ويجلسون متقابلين، ستكون الفرصة السانحة لمدير المكتب السابق أن يقدّم القهوة بنفسه، سيتحدّثُ الوزيران بصوت هادئ ويفتحون مجاملات تقليديّة بينما يتجمّعُ الموظفون في ممرات الوزارة، سيخرجان مبتسمين ويأخذون صوراً تذكاريّة يبتسمُ بعضهم فرحاً ويبتسمُ بعضهم حزناً.

يبقى الوزيرُ الجديد وحيداً لدقائق، ينتقدُ ذوق سابقه في اختيار مفروشات المكتب، سيتعرّفُ لغرفة الاستراحة خلف مكتبه وويفتحُ دروج وخزانات المكتب جميعها، سيتعرّفُ إلى أجهزة الهاتف، سيعدُّ أربعة منها على الأقل ويُراقبُ أسلاكها، سيضبطُ كرسيّهُ الدوار ويجرّبُ الجلوس في المقابل.

سيطلبُ مدير المكتب السابق، الذي ينتظرُ بشدّة، حليق الذقن وطيّب الرائحة، سيبدو نشيطاً أكثر من أي مرّة، سيُجهزُ للوزير قائمة بالموظفين ومكاتبهم وأعمالهم، سيُجهّزُ أوراقاً كثيرة للإطلاع، ويأخذُ التوجيهات بالنسبة للتهاني وتحويل الاتصالات واستلام الهدايا.

أما الموظفون فيعودون إلى مكاتبهم، يأخذون اجازة من العمل ولو أنهم على رأس مكاتبهم، يقولون للمراجعين نحتاج بعض الأيام، يُحاولون جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الوزراء الجُدد، أين كانوا يسكنون، أين درسوا، ماهي أوضاعهم المادية، ماذا يقول موظفيهم، من هم أصدقائهم، من أتى بهم، كيف سيتصرفون؟ يفتحون حساباتهم في المواقع الاجتماعيّة، بعضهم يشكر الوزير السابق، بعضهم يضع أغنية لإغاظته، بعضهم يستفتحُ خيراً بالوزير الجديد، وبعضهم يفعل كُلّ هذا.

سيُرتبُ الموظفون مكاتبهم، فهم يتوقعون زيارة من الوزير الجديد، سيُخفون كاسات الشاي والقهوة وعدّة المتّة، يضعون السخانات الصغيرة في درج المكتب الأخير، سيرتبون الأوراق لتبدو مُنجزة، ويطلبون من عامل التنظيفات تهوية المكان ورشه بملطف الجو، سيجهزون مقترحات لتطوير العمل، ربّما يطلبها الوزير الجديد مكتوبة وقد لايقرأها أبداً.

تمتلئُ ذاكرة التطبيقات الاجتماعية للوزراء الجُدد بالتهاني وتتراكم، كما تتراكم العُلب الخشبيّة الأنيقة للحلويات الدمشقيّة والحلبيّة، ستتحركُ الدورة الاقتصاديّة لبائعي الورود والأزهار أكثر من أيام عيد الحُب وعيد الأم مجتمعين.

أما متاجرُ الشوكولا، فستُبدع في تقديم الأفكار لتغليف الشوكولا مارأيك بالنسر (هو عقاب بالحقيقة)؟ ما رأيك بالعلم السوري؟ ماذا لو كتبنا مُبارك على كلّ حبّة..، المشترون سيرسلون سائقيهم ويصطفون في طوابير لاستلام العُلب فالتوصية تمّت عبر الهاتف، وسيطلُب الزبائن ألا تُشبه علبهم علب الآخرين، وقد يقوم صاحب متجر الشوكولا بالاشراف بنفسه على توزيع العُلب وتسريب الأنواع التي أخذها من عنده أحدُهم، إلى أحدِهم.

سيمُرُّ اليوم سريعاً، سيجدُ الوزراء آلافاً من الأوراق المتراكمة، سيُراجعون سجل الصادر والوارد عدّة أشهر للخلف، وقد يحملونه للمنزل، يعودون للمنزل وسيكون الغداء جاهزاً من مطعم ما، فالعائلة قضت يومها تتلقى التهاني والمطاعم قدّمت عروضها السخيّة.

في مثل هذا الوقت سيكون عشرات الآلاف من المتعاملين مع هذه الوزارة أو المستفيدين من خدماتها في حالة انتظار وترقُّب وتمنّي.

وسيم السخلة
24/09/2024