هالدّني بتساع الكل <3 - Life can accommodate everyone

Category: syria (Page 1 of 2)

أشياءٌ تلزمُ الحكومة وتلزمنا، تجربة المواطن! 

مُصنّف سحاب أخضر، وطوابع لمعاملة واحدة

يلزمُ سورية أشياء كثيرة، من أبرزها تجربة المستخدم وأسميها هُنا تجربة المواطن، تغيب مع الوقت وتُنسى تماماً في بلد مأزوم منذ تأسيسه، مُحاصر دوماً يعيشُ مواطنوه الانتظار أبداً.

تعرفُ تجربة المستخدم بأنها كلّ ما يرتبط بسلوك وموقف وإحساس المستخدم حيال استخدامه منتجاً أو نظاماً أو خدمةً معيّنة. وأنا هُنا أقترحُ تعريفاً لتجربة المواطن يشبهُه، فهي كلّ ما يرتبط بسلوك وموقف وإحساس المواطن حيال تعاملاته الحكوميّة والرسميّة.

ولكي لانغرق في التنظير الإداري لنأخذ مثال تحدّي النقل العام في سورية، وهذا تحدٍّ لايُدركهُ مسؤولوا بلد يُقدّم سائقين وسيارات وقسائم محروقات مُجزية لكثير من موظفيه في المؤسسات العامّة والمنظمات الشعبيّة أيضاً. كما يمنحُ الوزراء وغيرهم من المسؤولين قي مستويات مختلفة صلاحيّة التصرّف في توزيع السيارات الموجودة في المؤسسات باعتبارات مختلفة ومتنوعة، منها الولاء ومنها الضرورة ومنها المحسوبيات نفسها. 

هذا مثال بسيط يجعلُ من استخدام وسائل النقل العامة في سورية مسألة تخصّ العامة فقط، فالمسؤولون بالفعل لايدرون عن التحديات اليوميّة للتنقل في سورية، حتى معظم أولادهم يحظون بسائق فلا يمرّون في هذه التجربة وإلا لما كان الوضع عليه! 

كذلك هُناك من يُنجزُ للموظفين الحكوميين معاملاتهم الرسميّة أغلب الأحيان، فلايُدركون صعوبة مشي شارعين لإحضار طابع أو العودة في اليوم التالي، أو انتهاء الدوام بالنسبة لموظف عند الساعة 12 أو لتصوير هويّة للمرّة الألف، أو لشراء مُصنّف سحاب أخضر مقيت، لانحنُ نُحسنُ استخدامه، ولا نحنُ نلغيه ولو وصل التحول الرقمي مواصيله.

الأمرُ لايتعلّقُ بالمسؤولين بالمعنى المُسلسلاتي السوري للكلمة أي أصحاب المناصب والبدلة الرسميّة والمكاتب الخشبيّة العريضة والجرس الالكتروني، بل نعني هُنا كلّ مسؤول في كلّ مستوى، المُعلّم مسؤول الصف الذي لم يجلس مرّة واحدة في مقعد طالبه، والمديرُ في المدرسة الذي لم يُجرّب مرّة استخدام حمامات المدرسة، وشرطي المرور الذي لم يُجرّب مرّة أن يوقفهُ شرطي لأجل اللاشيء بلا أسئلة بلا أجوبة بلا تحيّات فقط لأخذ رشوة باتت أهمّ من مُرتّبه.

كذلك مسؤلوا المنظمات الشعبيّة الذين نسيو فور انتخابهم أو تعيينهم أن يُمثلون الشرائح لا الحكومة، ومشاكلهم التي يسعون لحلّها هي مشاكل من انتخبهم، لا من انتقاهم، وكذلك المسؤولون المحليّون في البلديات، هؤلاء مالذي حصل لعيونهم؟ فلا ترى الحُفر في الطرقات ولا تسوءها القمامة وتراكمها ورائحتها ولا تعنيهم مشاكل الأحياء الكثيرة التي كانوا يعرفونها جيداً ويعتبرون حلولها تحصيل حاصل وصاروا يحتاجون توجيهاً لحلّها أو استقبال وفد شعبي لوعده بحلّها، دون حلّها أبداً.

ينقُص المسؤولون في سورية اجراء تجربة المواطن، أي أن يتخلّوا عن مكانهم ليوم واحد، لساعة واحدة، لاختبار اجراء معاملة في مديرياتهم أو وزاراتهم، ليختبروا تعامل بعض الموظفين، ليختبروا صعوبة الذهاب والعودة والانتطار وتعطّل الشبكة وغياب الكراسي وقذارة الممرات وصعود الأدراج المظلمة وطلبات الموظفين وروائح سجائرهم الكريهة وقدرتهم على استلاب أموالك ووقتك ومواطنتك، نعم فحُبُّ سورية يهزّهُ موظف حكومي يدفعُ بك بعيداً لأنه مشغول بدردشة تافهة أو مهمّة على الواتساب في وقت عمله، أو لأن مديره المباشر زجرهُ أو لأن زميله أخذ اجازة طويلة وهو يقوم بأعماله مُكرهاً.

بالفعل لو توجه المسؤولون لتجربة المواطن لما احتاجوا اجتماعات كثيرة للتخطيط والإدارة، ولا لزمهم خبراء ومستشارون ودورات داخليّة وخارجيّة، لو ينزلوا إلى مؤسساتهم نفسها ويمشون أمتاراً قليلة لصاروا قادرين على معرفة المشكلات وكلّ الحلول، ولما لزمتهم الاجتماعات الطويلة المريرة، ولاستغنوا عن سماع تقريع النواب والصحافيين صباح مساء.

قال رئيس الحكومة قبل أيام داعياً وزراءه لضرورة التفكير خارج الصندوق، وهذا أمرٌ حسن، لكن ماذا لو فكّروا من داخل الصندوق أولاً، من مباني وزاراتهم نفسها، ومن مديرياتهم القريبة والبعيدة، ماذا لو أحصوا كمّ أطنان الأوراق المهدورة، والمصنفات الضائعة، والحبر المُسال اسرافاً في صور هويّات وأختام وتواقيع وتصديقات لا أحد يُدققها ولا يُصدّقها، ماذا لو أدركوا حقيقة المنصات الالكترونيّة للخدمات وجرّبوا اصدار جواز سفر بدور عادي يتعذّر اصدارهُ إلا بواسطة سمسار، الكتروني هذه المرّة وربّما لكلّ مرّة قادمة.

نعم، المسؤولون في سورية أبناء مؤسساتهم وهيئاتهم ومنظماتهم نفسها على الأغلب، لكننا لاندري ماذا يحصلُ معهم منذُ اليوم الأول للسلطة، انهم لايتغيّرون فحسب بل ينسون تماماً ما اختبروه وهذا أمرٌ مُريب على الحكومة التعاقد مع خبراء طاقة وإدارة لمراجعته، هل هو مسٌّ حكومي أو هو فايروسٌ سلطويّ، أم انهُ ضغط عمل كبير يلزمُ مسؤولاً بتوقيع آلاف الأوراق كلّ يومين؟ واذا كان كذلك فمتى تفوّض السلطات؟ ومتى لا تكون حاجة لدوام مسائي يداومهُ بالفعل أكثر موظفو الدولة سواء في مكاتبهم أو في مكاتب الآخرين.

إنّ تجربة المواطن ليست اختراعاً جديداً بل عرضها مسلسل تلفزيوني محلّي منذ 1996 باسم يوميات مدير عام، منذ 28 سنة لليوم، كم مسؤول حكومي فعلها؟

وسيم السخلة 

13/11/2024

سبعة أحلام سوريّة صغيرة ♥️

وأنا أُتابِعُ بعجز أخبار الحرائق التي تأتي على غابات الساحل السوري والحراج والمزارع في هذه السنة والسنوات الماضية تذكرتُ دفتراً صغيراً لديّ، دوّنت فيه ذات مرّة بعض الأحلام الصغيرة، ورغم انّني حكيتُ عنها هُنا وهُنا فإنني رغبتُ بكتابة بعضها هُنا، علّها لاتكون أحلاماً فقط!

كل طالب يزرعُ شجرة!

مع التراجع الكبير للغطاء النباتي والمساحات الخضراء في سورية ماذا لو فُرض كشرط لدخول أو اجتياز أي مرحلة تعليميّة (التعليم الأساسي، الثانوية، الجامعيّة، الدراسات العُليا) فلا يتخرج الطالب دون أن يزرع شجرة، فيرُدّ شيئاً من دين البيئة التي استهلك مواردها خلال دراسته، ولتكن هُناك طرق متنوعة لتأكيد هذا التراكم، بحيث تطلقُ الزراعة والتعليم العالي تطبيقاً يُحدّدُ مساحات فارغة في أطراف المدن لزراعتها، ويُمكن لأي طالب تنفيذ هذا الأمر بنفسه ومع عائلته أو من خلال شركات طُلابيّة تُنشأ لهذا الغرض بتكلفة رمزيّة كما هي أسعار الغراس والشتلات، فتزرعُ شجيرة باسم كل طالب ويمكنه معرفة رقمها ومكانها فيزوره في المستقبل مع أولاده، وهكذا مع كُلّ خرّيج لدينا شجرة، وتخيلوا ملايين الخريجين من المراحل الدراسيّة كلّ سنة لدينا.

رحلات توأمة مدرسيّة

جرت العادة أن تكون رحلات المدارس رحلات ترفيهيّة إلى الساحل أو تدمر أو الغوطة، أو إلى القلاع والبانوراما والحدائق، لكن ماذا لو فكرنا برحلات ثقافيّة بين السوريين أنفسهم؟ ماذا لو كان هُناك رحلات توأمة مطلوبة بين مدارس المحافظات السورية، فيزور الطلاب من بلدة في محافظة ما طلاب محافظة في ريف أخرى، وهدف الزيارة التعرّف على اللغة والعادات والأغاني وربّما الطعام والأفكار والمعتقدات، وتُردُّ الزيارة ويعود الطلاب للتواصل من خلال دروس مشتركة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف نطلبُ من أجيالنا أن تحبّ بعضها وتكون أقلّ سخرية وتنمراً وهي لاتعرفُ بعضها أصلاً، ماذا لو كانت هذه الرحلات طريقهم الممكن للتعرّف على بعضهم البعض وتقديم أنفسهم، كما نفعلُ مع الأجانب حينما نُبدي أفضل ماعندنا من عروض وفقرات وضيافة، ألسنا أولى بذلك بين بعضنا؟

كل عائلة تُقدّم سلّة مهملات

تبدو مسألة النظافة العامة في شوارعنا ومساحاتنا العامة مقلقة، فلم يعد ينفعُ معها حملات التوعية التقليديّة والإعلانات التلفزيونية والطرقية، ولايُمكن للبلديات بالطبع تخصيص عامل نظافة لكل مواطن، ولايمكنُ أيضاً حملُ المواطنين والسكان على تنظيف الشوارع بشكل يومي أو مُحاسبتهم بشكل عرضي، فلماذا لاتكون كلّ عائلة مُلزمة بتقديم سلّة قمامة توضع في الشوارع والمساحات العامة، نعم هناك نقص كبير في هذه الحاويات لتكلفة تأمينها من جهة ولتخريبها وكسرها من جهة أخرى، وربّما عندما تدفعُ كُلّ عائلة تكلفة سلّة فإنّها تعوّد أطفالها على البذل والمشاركة، وتتوضح أكثر أهميّة الأسرة والفرد كفاعل مجتمعي مفيد ولازم وضروري لتكون الحياة أفضل في محيطنا، ولربّما تُؤخذ هذه المشاركة مع أي فاتورة خدمات عامة وحصراً عبر الدفع الالكتروني.

كُلّ مدرسة تصيرُ مكاناً مُنتجاً

رغم قُبح الأبنية المدرسيّة لدينا في تصميمها الموحد لكنّها أبنية وظيفيّة بالفعل تؤمن مساحات مناسبة للتعليم والتدريب والأنشطة والفعاليات لو أُحسن استثمارها، ولقد جرت العادة أن تعمل هذه الأبنية بأقل طاقتها فتفتح عدّة ساعات باليوم وتغلق، وقليل منها فقط من يُستثمر بعض قاعاته في فصل الصيف، لماذا لانعيد التفكير بهذه المساحات لتكون مُنتجة ورابحة فتُردّ عائداتها لصندوق المدرسة وليس إلى الخزينة العامة، فيُصرفُ منهُ على تحسين وضع المعلمين ومساعدة الطلاب المحتاجين وتحسين البيئة المدرسيّة، لماذا لا نفتحُ في مدارسنا في القبو قاعات سينما محليّة مأجورة برسوم مناسبة تأتيها العائلات في ظلّ انقطاع الكهرباء وتعزز مفهوم العائلة، ليست موسميّة بل في أيام دوريّة أسبوعيّة محددة، لماذا لا نستثمر باحة المدرسة فنؤجرها مساءاً لاقامة الأعراس وحفلات الخطوبة المحليّة والتعازي والاحتفالات الأهليّة، لماذا لا نؤجر قاعات مجهزة في المدارس لإقامة التدريبات والورشات للمعاهد والجمعيات خارج أوقات الدوام، هُناك الكثير من الأشياء المُمكنة التي تدعم العمليّة التعليميّة بموارد موجودة، مُهملة ومنسيّة، هي تحتاجُ لإدارة وفكر ومتابعة.

خُطبة الجمعة والخدمة المجتمعيّة

ماذا لو طلب خطيبُ جمعة من المُصلين التوجه بعد خطبة تحفيزيّة عن دعوة الإيمان للنظافة لتنظيف الحي أو النهر القريب أو المساحات العامة المجاورة، كم سيكون المشهدُ بديعاً لو توجه من يرغب من المؤمنين لتحقيق انجاز محلّي في وقت واحد، لتنظيف الحي، أو لصيانة الأرصفة المتكسرة وتبديل الإنارة المُهملة أو لتنظيف نهر تراكمت فيه الفضلات أو أراض زراعيّة ممليئة بالأعشاب الضارة أو غابات فيها مخلفات قابلة للاشتعال أو مدارس مخرّبة، ماذا لو توحدت خُطبة الجمعة مرّة كلّ شهر لتكون لهذه الغاية، أليست النظافة من الإيمان؟ وكذلك عظاتُ الكنائس بالطبع والمناشبات الدينيّة المتعددة والكثيرة لدينا، ماذا لو فعلنا ذلك، ألسنا بحاجة؟

أسواق الأهالي

مادُمنا فخورين بمطبخنا السوري فلماذا لا نتذوّقهُ كما يجب، فلنُنشئ سوقاً مؤقتة أسبوعيّة ولتكن يوم عطلة كالسبت تحجزُ فيها بعض العائلات أركاناً وطاولات لمشاركة طبخاتها المنزليّة التي هي تعبير ثقافي في النهاية عن انتماء هذه العائلة وأصولها وعاداتها، كل المحافظات السورية مختلطة بالتالي سيكون لكل سوق مساحة منظّمة متنوعة جداً وغنيّة جداً ويمكن زيارة السوق ودخوله بتكلفة مناسبة للوجبات، الهدفُ ليس ربحي تماماً ولو أنهُ مُربح بل هو تشغيلي، العائلاتُ تودُّ مشاركة أفضل ما عندها من وصفات وخصائص واختراعات واضافات، طلاب الجامعات والسياح والأهالي يريدون تجربة أصناف مختلفة بأسعار مناسبة بعيدة عن المطاعم وقوائم الطعام الجاهزة، وليكن المكان كراج سيارات فارغ أو ملعب رياضي أو باحة مدرسة، سيكون الجميع سعداء، ولتنظمهُ البلديات مع الجمعيات وليُعطي الزوار نُقاط تقييم لكل ما يتذوقونه ولتكن هُناك جوائز محليّة انها أهم من أي تصنيفات عبر الانترنت.

QR code عند كُل مَعلَم

في المُدن التاريخيّة تضعُ البلديات لوحات تعريفيّة أمام الشوارع والأبنية والمعالم الدينيّة والثقافيّة والتاريخيّة، وهذه اللوحات تكون غالبا حجريّة أو حتى معدنيّة وهي بحدّ ذاتها أعمالاً فنيّة بديعه تعيشُ لسنين طويلة وكثيراً ما تُختصرُ الزيارات عندها، لربّما نحنُ غير قادرين على تكاليف كهذه حالياً لكننا نعرفُ تاريخنا وتاريخ المكان لدينا أو على الأقل هكذا ندّعي، فلماذا لا نضعُ على الأقل رموز الاستجابة السريعة بجانب معالِمنا، فيعرفُ السوريون أولاً عنها ثم المهتمّون وليس أخيراً السياح والزوار، مع الوقت والهجرة بدأ الناس لايعرفون ماتمثل المعالم والشخصيات التي سُميت بأسمائها شوارع وساحات وحدائق سورية، وتبدو مقاطع الفيديو المُحدثة الreels تقدّم معلومات ليست دقيقة بالضرورة بل ومغلوطة أحياناً، فليكن هُناك بنك سوري لمعلومات المعالم والأعلام (الشخصيات)وليكن لدينا في كّلّ شارع وكلّ بناء تاريخي وغير تاريخي حتى QR cood يُمكن استخدام للوصول لمعلومات موثوقة تزيد من علاقتنا بالمكان، نحنُ أهل المكان لايجدرُ بنا أن لانعرف فلان من فلان.

في النهاية ما أودُّ قوله أنّ هذه الأحلام الصغيرة، مُمكنة!
ترونها كذلك؟

وسيم السخلة Waseem Al Sakhleh

07/11/2024

اليوم الأول في الصف الأول

صورتي في البطاقة المدرسيّة 1999

منتصف أيلول، 1999 دمشق

استيقظتُ يومها مُتسائلاً، ماذا ينتظرني؟ كان الشتاءُ قد حلّ ووالدي يُشعل مدفأة المازوت في صالون منزلنا، ناداني جدّي إلى غُرفته، كانت قناةُ الجزيرة ساعتها تبثُّ إعادةً لإحدى برامجها وكان الصوت مرتفعٌ جداً كما العادة، فتح جدّي درجه الصغير، وكان فيه طاسة صغيرة فضيّة يضعُ فيها قطعاً نقديّة، ناولني قطعتين مُذهبتي الأطراف من فئة ال25 ل.س مُشجعاً ايّاي على أن أكون مجتهداً في المدرسة.

فرحت بال50 ليرة، فقد كانت تُساوي الكثير يومها، بجانب المدفأة ساعدتني ماما ببعض الكلمات التشجيعيّة، ياعيني والله وكبرت يا سمسم وصرت بالمدرسة، كذلك فعلت مروة شقيقتي التي تكبُرني بسنتين، كانت تُهيئُ نفسها للمدرسة بحماس.

الجميع من الأقارب الذين كانوا يتجمّعون في بيتنا كُلّ مساء كانوا يحكون عن المدرسة، حتّى أحسستُ أنّهم يتوعدوني بها. لشهور عدّة حاولت العائلة تسجيلي في إحداى مدارس “الأونروا” القريبة من منزلنا وكان ذلك يتطلّبُ توسطاً عند أحد النافذين، فقد أوقفت هذه المدارس قبول السوريين في مدارسها بعد تنامي الأعداد المُقبلة عليها نظراً لجودة تعليمها العالية. 

ومع هذه الخيبة تمّ تسجيلي في واحدة من المدارس الحكوميّة في مشروع دُمّر، مدرسة سعد بن عبادة. ريثما تتمكّن العائلة من توسّط شخصيّة “أنفذ” لقبولي في مدرسة “الأونروا”، وهذا ماحدث بعد سنتين.

لبستُ بنطالاً أسود دافئ اشتريناهُ من مؤسسة يا هلا للألبسة الموحدة في مشروع دُمّر ومازلتُ أتذكرُ كم كانت مُنتجاتهم مُميّزة حتى دهبتُ للجامعة، مع البنطال لبستُ صدريّة رصاصيّة لها جيبُ مربّع في طرفها، وزنارٌ قُماشي من نفس لونها، المشهدُ جديد، في الروضة كان لباسنا بيجاما صيفيّة وشتويّة، وهذه المرّة الأولى التي ألبسُ بها صدريّة وكانت أزرارها البُنيّة في احدى طرفيها، بعد أن زرّرتُ كًلّ الأزرار بقي واحد، فجاءت ماما وأعادت فكّهم وزرّهم.

وضعتُ الفولار البرتقالي حزمتهُ ماما بجوزة (عقدة) بُنيّة اللون محفورة، الفولار مُحاطٌ بإطار كحلي، وعليه شارةُ طلائع البعث التي تُمثل شخصيّتين لتلميذ وتلميذة ويشُعّ منهما نور والشعارُ يُشكل ملامح درع. 

أيضاً لبستُ السيدارة، كُحليّة اللون وتخترقُها خطوط برتقاليّة وفي مُقدمتها طبعةٌ صغيرة لشعار الطلائع. 

أخذتُ الحقيبة الجديدة، كان لونها كحليّ ومُحاطةٌ بحدود حمراء، ملأت والدتي مقلمة الجينز الكلاسيكيّة من ماركة شيكّو وكان لدينا اثنتين، كحليّة لي وصفراء لمروة. إلى جانب السندويشات الناشفة من جبنة الشرق كانت الحقيبة شبه فارغة مع دفتر وحيد يومها، وكأسٌ بلاستيكي يُمكن فتحهُ بحلقات وإعادهُ إغلاقه، ولهُ ميزة وحيدة أنه قابل للطي، ولهُ سيئةٌ أكيدة أن سيطوى بين يديك وأنت تشربُ منه، فتتخلصُ منه خلال أيام.

اصطحبني أبي بسيارة عمّي الكولت ميتسوبيشي القديمة، في الطريق إلى المدرسة مررنا بروضتي، روضة البراء النموذجيّة، وهي أجملُ ما شاهدت عيني وعاشت ذاكرتي! 

وصلنا للمدرسة كان لها باب كبيرٌ أسود، يُشبهُ بوابة سجن كبيرة، لم أكن أعرفُ سجناً من قبل، لكنّني لمحتُ هيئته في واحد من المسلسلات السوريّة رُبّما كان مسلسل عودة غوار.

تطابق المشهد تقريباً، خلف الباب الأسود بناء شاهق مُخيف بلون تُرابي صحراوي، بلاط الباحة كان باهتاً جداً وكان تراكباً لمجموعة مربعات متداخلة، ساريُة العلم ترتفعُ كثيراً، الطلاب يصدرون أصواتاً وضجيجاً دون أن يحركون شفاههم. 

بدأتُ أشعرُ بالقلق، ها أنا في عالم جديد كُليّاً بعد 3 سنوات من روضة البراء، حيثُ العُشب الأخضر، والبناء البديع، والزهور الكثيرة، وألعاب الرمل والمراجيح والمسبح والدراجات الكثيرة والأبواب الملونة وكلّ تفاصيل الأناقة والجمال. 

صاح المعلمُ ترادف، صاح الجميعُ “ثورة” ثمّ وضع أحدهم يده على كتفي فنظرتُ إليه مستهجناً، بلحظة أدركتُ أنّ الجميع يفعلُ هذا ففعلت.  

في هذه الوقفة ردّدتُ للمرة الأولى أمة عربية واحدة.. ذاتُ رسالة خالدة، لقد حدثتنا المعلمة كثيراً عن الأمة الواحدة لاحقاً لكن لم يُحدثنا أحد عن الرسالة الخالدة.

بعد عمليّة فرزٍ مُعقدة انتظمنا في الصفوف، وكان الصفُّ الأول الشعبة أ، المكانُ غريب عليّ، فالمقاعدُ حديديّة، خشبُها مليئٌ بالذكريات والكتابات، الشبابيكُ مسوّرة بإحكام، الجدرانُ بلونين أسوأ من بعضهما، رمادي ورمادي غامق حديدي، يالله أين أنا؟ 

كان آنسةُ الصف الأول “ماجدة حربة” مدرّسة قديرة مشهود لها بالحزم والجديّة وكانت شقيقة صديق والدي المقرّب جداً رحمهُ الله، رحبت بي بحرارة وجديّة، وأجلستني في المقعد الأول، وكان والدي ينظُرني عند باب الصف الموارب، بدأت المعلمة بضرب الطاولة أمامها للفت انتباه الطلاب ومنع الضوضاء، وهُنا انفجرتُ تماماً بالبُكاء. 

لم أكن أصرخ كُنت أبكي فقط، دخل والدي وجاءت الآنسة لقربي تسألني لماذا أبكي، عجزتُ عن اختراع جُملة أجيبُ بها وعيناها تنظرُ إليّ بتودُّد، بدّلت لي نُسخة الكُتب القذرة التي وضعت أمامي بأخرى أكثر جدّة بطلب من والدي، لكنّني استمريتُ في البكاء.

حزن والدي كثيراً لأنّهُ لم يعرف ماذا يفعل بالضبط، أما أنا فكنتُ أبكي هذا المشهد الباهث بعد روضة البراء التي تخرجتُ منها وصارت ماضياً لايُمكن استعادته. 

استمرت موجة البُكاء حصّة كاملة، ثم جفّت الدموع على الأغلب، بدأتُ بفتح الكُتب يالله كم كانت ناشفة وكريهة، كتبت الآنسة على اللوح المطلوب منّا احضاره، دفترٌ يُجلّدُ باللون الأحمر اسمه دفتر نهاري 100 طبق، ودفتر مجلّدٌ باللون الكحلي أو الأزرق اسمهُ دفتر ليلي 100 طبق أيضاً، قلم رصاص، ممحاة، مبراة، مسطرة.

كما حذرتنا من احضار الأقلام الزرقاء أو أقلام الحبر أو حتى أقلام الرصاص ذات الرؤوس القابلة للتغيير. قالت لنا بالحرف: بكير عليكن. 

نزلنا إلى الباحة كان والدي قد غادر بالفعل، رأيتُ التلاميذ يشترون من شُبّاك صغير، توجهت لأفعل مثلهم، فشلت وبقي القطع النقديّة في جيبي! 

كان الإزدحامُ شديداً وفجأة رنّ الجرسُ مُعلناً انتهاء الفرصة، صعدنا إلى الصف، أكملت المُعلمة تعريفنا بالمدرسة والحفاظ عليها والحفاظ على الكتُب، ضاع الوقت وهي تسألنا عن أسمائنا وسكننا وماذا يعملُ أهلنا، علّمتنا ضرورة الوقوف عند دخولها الصف أو دخول المديرة. 

انتبهتُ أخيراً إلى طفل مسكين إلى جانبي، كان أنفهُ يسيل قليلاً وبقي كذلك كُلّ السنة، لم يكن لهُ همٌّ أبداً، حسبتهُ قضى حياته السابقة في المقعد نفسه، كان لاينزلُ إلى الفرصة بل يكتفي بالتهام سندويشة يُمسكها بيديه الاثنتين، ومازلتُ أتساءل لماذا لا يفلتُ يدهُ الأخرى؟ 

اكتشفتُ لأول مرّة وجود لغة أخرى غير العربية، كان يحكي بها بعض التلاميذ بينهم، سألت والداي في المنزل عن معنى الكرديّة، ولا أتذكرُ جوابهم اليوم! 

صار لي أصدقاءاً كُرد، أحببتُ ذلك، عرفتُ في الأيام التالية أنّ عليّ مُصادقتهم، لأنهم يحمون بعضهم بعضاً، كانوا نصف المدرسة.

هكذا اذا مضى اليوم الأول، كانت احدى عيناي ترى الصف والمعلمة وعيني الأخرى ترى الماضي وتُقارن بين حديثين، وبين بنائين، وبين صفين، ولاحقاً حياتين.

وجدتُ والدي في الخارج مع عمّي أيضاً، أمسك والدي الحقيبة عنّي وصار يسألني فلا اُجيب، بماذا أجيب؟ 

كان يوماً طويلاً بدموع كثيرة

وسيم السخلة

عشرُ حقائب سوريّة

نستخدم تطبيقات مجانيّة لكنها تتطوّر كلّ لحظة،ونحن مكاننا، أقصدها حرفيّاً هذه المرّة لا مجازيّاً

أنا في دمشق، صديقي في كندا، يعيشُ في مدينة يصعُب عليه لفظ اسمها.. صديقة عتيقة تنتظرُ الشمس منذُ عدّة أيام في السويد.. تنتظرها بملل

شقيقتي في بريطانيا تكتشفُ الطبيعة من جديد، صديقٌ ينتظر المترو في دبي، يأتي بسرعة، لاوقت للانتظار.. آخر يتشاجرُ مع ڤان رقم 4 في بيروت..

أحدهم صار بعيداً جداً يقضي يومهُ في تعليم الأميركيين مكان سورية في الخريطة.. ويشرحُ لهم ما حصل في الحرب فيخوض حرباً جديدة مع العالم الآخر

ونحنُ صغار كنّا نرى خريطة العالم ومركزها سورية، لكنّ الخرائط المدرسيّة مُضلّلة ركزنا فيها على سورية وبلاد الشام والوطن العربي، كلّماً كانت تتسع الخريطة مزيداً من الدول كانت تصغر سورية، وتصغُرُ كثيراً

عندما سافرنا وارتحلنا اكتشفنا أن لكلّ بلد خرائطُه، وبالكاد تظهر منطقتنا كلّها وليس سورية فحسب، بالكاد يمكنك أن تشرح للناس قضايانا العادلة وغير العادلة، عاداتنا الأصيلة والمسروقة، تاريخنا المُصدّق والمزور، غاباتنا المشمسة والمحروقة، أرشيفُ انتصارات هزائمنا، لون الرماد فوق المدن، في جدران المؤسسات الحكوميّة، في كوريدور مدرستي الإبتدائية، على شُبّاك تابوت للنقل العام، كان أخضراً وأزرقاً وأحمراً وفي سنوات الرخاء والمصائب كان أبيضاً..

ونحنُ هُنا، يقلق الأصدقاءُ في تركيا، يتمنّون لو أنه لدينا انتخابات ثم يقلعون عن الفكرة بسرعة، يخوضون حرباً في روسيا، يخسرون أرزاقهم في مصر، يتسوّلون أموالهم المسروقة من بنوك لبنان، يتعلمون الألمانيّة للسنة العاشرة، ويعدّون أنواع الطيور في أستراليا فيكتشفون أن التنوع في بلادهم كذبة، أقصد التنوع الحيواني بالطبع

صار همُّ الناس مركباً، بلادٌ جديدة يحملون همومها، اليمين واليسار، القوانين والقرارات، نخنُ خارجون من بلاد لاتسألنا ولا نسألها، نُحبّها ولا تهتمُ لأمرنا.. من أين جائتنا هموم الديموقراطيّة والحريات وأحزاب الخضر!

يحملُ كلّ سوري عشر حقائب كبيرة، حقيبةٌ للمؤسسات الحكوميّة، يحمل فيها ألف صورة لهويته وتسعمائة اخراج قيد وتسعين تأجيلاً وثلاث موافقات سفر، ودفتراً لخدمة العلم ودفتراً لسيارة والده، ودفتراً للعائلة، ودفتر النهاري مجلداً بالأحمر لأنه كتب عليه حلمهُ في المدرسة ودفتر الليلي مجلداً باللون الكحلي حيث صلحت لهُ المعلّمة الجميلة وظيفة الفرنسي ودفتراً للرسم رسم فيه بيتاً بسقف قرميدي رآه في أفلام مُترجمة، ودفتراً للموسيقى بقي فارغاً لسنوات، ودفتراً للدّين انتزعهُ من بقاليّة الحارة بعد ما باع خاتم أمّه وسدّد الدين قبل الرحيل ودفتراً لقسائم المازوت المُباعة، ودفتراً أثرياً لقسائم التموين، ودفتراً للقاحات التي أقحموها في حلقنا ذات مرّة في المدرسة والمستوصف.. ودفتراً فارغاً ليكتب خطته الفاشلة

في حقيبة أخرى نحملُ بهارات لم نستخدمها، كركم، وفلفل حلو وفلفل حار وفلفل متوسط بينهما، ونعنع يابس وجوزتين طيب وأوراق غار ووكمون مطحون وكمون حب وكربونة وسمّاق وعشر مكعبات ماجي، أعرف صديقاً استخدم من كُلّ هذا مكعبات الماجي فقط، وعندما عاد (عاد ظلّهُ) وزّع البهارات على من بقي هُناك وهم بدورهم جعلوها في الرفّ الأخير ينقلونها من حلم لآخر.. فإنذارات الحريق لاتحتمل هذه الروائح

الحقيبة الثالثة مخصصة للملابس الداخليّة البيضاء، معظمها اشترتها الأم السورية لأولادها وزوجها من سوق الحميديّة بقياسين، الأول قياسه الحالي والثاني بنمرة أكبر، لم تدري الأم أن هذه الأحجام ستنتهي وسيمتنع أولادها عن تناول السكر أشهراً لخفض أوزانهم، سيتحول شكل الجسم مع شكل الحياة الجديدة، أجسادٌ لاتُشبهنا، كثيرة الرشاقة تحملُ خفّة الرحيل المستمر.

حقيبة السوري الرابعة مخصصة للمناسبات، طقمٌ رسميّ نلبسه مرّة في عرس أصدقائنا، نتحايل مع خياط عربي لنصيف إليه زرّاً جديداً مع كُلّ مناسبة، نضيّق الخصر، نوسّع الجيوب لتتسع لباور بانك، بوط كبير يُشبه الحرب، نحملهُ لأيام المطر، نتوقع دوماً أننا سنستخدمهُ فنبدو به كجنديّ سوڤيتيّ يتجول في مطعم أميركي للوجبات السريعة، نتخلصُ منه حالاً، ثم نضعه في البلكون، نتراجع، نقول سيلزمنا عندنا نذهب للتخييم وهناك نرى الأصدقاء الجدد يلبسون خفّافات خفيفة فنخلعهُ من جديد ونحفظهُ لأنه يذكرنا بالفتوّة، من أفتى بها أصلاً حتى صرنا جنوداً لكلّ هذه الهزائم؟

في الحقيبة الخامسة نحملُ أدوات للعناية الذاتية، بودرة خوفاً من “السماط” وعشر عُلبٍ من حبوب الإلتهاب المحظورة بدون وصفة (خارج بلدنا طبعا) وابر ديكلون قاتلة، وكريماً وطنيّاً لترطيب البشرة يجعلها قاسيةً جيّدة، ونكاشات أسنان نحملها ولاندري معها أنّ أيام المناسف واللحم على الطريقة القديمة ستنتهي بعد أن نعبر نقطة المصنع على الحدود اللبنانية، نحملُ ظروف سيتامول وطني، نعرف أن وجع الرأس سيأتي سيأتي، نجرّب عشر مشاطات للشعر ونختارُ أسوأها حُبّاً بالتغيير، نُحبّ التغيير للأسوأ على طريقة حكوماتنا.

في الحقيبة السادسة نحمل عشر أحلام وألف خيبة وستين تحدّي أُجبرنا عليه منذ طلب منّا استاذ العسكريّة في المدرسة أن نُسمع الحيّ كلّه شعارات الصباح والنشيد الوطني، في حذه الحقيبة شيءٌ واحد محسوس، سجادة صلاة جديدة أخرجتها أمّ من صندوق السرير حفظتها عقدين على الأقل بعد عودة أحدهم من الحج، سجادة ستبقى جديدة دوماً على الأغلب.. لأن اتجاه القُبلة يتغيّر في الخارج

في الحقيبة السابعة نحملُ الحقيبة الثامنة لأننا نخشى أن يكون سوق الخجا غير موجود خارج سورية، وأن نُضطرّ لحمل الهدايا في أكياس نايلون، نعدُ الناس قبل السفر بالهدايا، سأُحضر لك هذا الشيء وتلك الهديّة وكأننا سنعود ونحن نقود باخرتنا.. وفي الحقيقة إن عُدنا فالعودةُ على ظهر شاحنة أو وقوفاً في بولمان.

في الحقيبة التاسعة نحمل كلّ السُتَر، هذا جاكيت للشتاء القارس صحيح أنّهُ مضروب من هُنا لكنّ الوالدة وضعت لهُ رقعةً عليها وردتين، وهذا جاكيت خفيف للربيع سحّابهُ معطّل لكن لاضرورة لزرّه، وهذه كنزة صوفيّة تخلق حساسيّة وتجعلك مدفأة وتلبس تحتها 5 كنزات ولاتلبسها أبداً.. وهذه طاقيّة للشمس لتحمي مقدمة الرأس وتكون بمثابة بطاقة تعريفيّة لك أنك عامل وأن شعار الشركة على الطاقيّة لأنها غرض دعائي وليس لأنك صاحب الشركة، أن لاتملكُ حتى نفسك.

الحقيبة العاشرة لاتعرف ماذا بها، هي التي تركتها في المطار مُكرهاً تحت طائلة فوات الرحلة عليك، وهي نفسها التي سرقها راكب آخر في البولمان عندما نزل وأنت تبكي وترسل ستيكرات القلوب في واتساب، وعلى الأغلب هي الحقيبة التي تضعُ فيها قلبك الذي يضمّ حبيباتك منذ المدرسة وحتى آخر مرّة أحببت فيها بصدق وفارقتها أمام دار الأوبرا.. هذه الحقيبة لا تُسافر معك، انها تُسرق منك وتبقى هُنا للأبد، واذا عُدّت فلن تجدها ولن تجدك.

وسيم السخلة

دمشق 2023

مالذي نفعلهُ في الشعلان؟ منذ خُلقَتْ

نتعجّب من فتاة صينيّة تمارس الرياضة على الرصيف، فلا زبائن لمحلها الذي يبيع الشاي الصيني بطعماته

نراقبُ الهواء برائحة شواء الشاورما واحتراق المازوت والبنزين في مولدات الكهرباء الكبيرة والصغيرة ميكس

ننظر إلى بائع وردٍ يحتّل الطريق، لا أحد يُحاسب أحداً فالورود مسموح لها الطريق، كما هي عربات الصاج

نختار أفضل عربة لبيع التماري كعك ونحصل على أسوء طعمة منها، بلا طعمة أضافو شوكولا وفريز وجوز!

نسترقُ بعض الوقت أمام المحمصة، لأننا نحبّ رائحة تحميص المكسرات، ثم نشتريها من البيرقدار، أو نظام

نجري جولة في محال الثياب، نرى أصدقائنا المغادرين فيها، أشباه ذكريات وأشباه أيام، أين ذهب الناس؟

نعتاد أصوات مولدات الكهرباء، نطبّع مع رائحة قلي الفلافل والبطاطا، نعرفُ أنّهُ زيت مكرّر ألف مرة، ومرة

نرضى بانقسام محل “عرقسوس الشعلان” لمحلين، نسامح بائعي سوق التنابل الذين يحتلون رصيف ونصف شارع

نعود إلى حلويات الورد، سعر عادي طعم عادي لم يتغير منذ عقد ، الوحيد الذي يبيع بابا روم بقطر وماء فقط

نركب مع أصدقائنا، نخفضُ نصف البلّور نُشغّل أغاني 2010 نمشي ببطىء لنُسمع الناس أغنيات مروان خوري

تفتحُ محال جديدة، نجرّبها لمرّة واحدة، ثم نعود إلى المحال القديمة، تهمّنا الذكريات لا الجودة، نحبّ الرائحة

نعود لبطاطا الرواد أو لسندويشات الفلافل الصغيرة عند بيسان، مهما افتتحت محلات سناك جديدة، تبقى جديدة

سندويشات بطاطا الكروكيت وأنواع السندويشات الكثيرة عند سناك هنيء باتت غالية جداً، كما لم تكن في الماضي

يجرّب بنّ الشامي بيع القهوة، الناس هنا لغير التسوق يشترون عادةً لا تلذذاً، يكتفي فرن السكري بمنتصف النهار

تجول السيارات الخليجيّة، يُمارس أصحابها فعل العدم، يمشون ببطء، يحتكّون بالعامّة، يتحرّشون بأحلامهم

نقفُ في الزوايا، نُراقب الماضي الذي كان، لانطبّع مع سائقي الدراجات الناريّة، نكره حضورهم في الشارع وزعرنتهم

نوسّخ ملابسنا الجديدة، نشتري بوظة الفواكه التي ارتفعت مئة ضعف، توقفنا عن شراء بطاطا الكومبرينو منذ عقد!

تفتح محال جديدة للموبايلات كلّ يوم، ميتا المزيّف ينافس متجر أبل المزيّف، ايّما تنافس نفسها، سامسونج لوحده

مأكولات السبكي تزيد اللون الأصفر حولها كمتجر خردل، الرصيفُ متروك لأشجار الكينا الناس يمشون على ذكرياتهم

في الشارع الموازي برود وعدميّة، جمهور السبكي غير جمهور الشعلان، خرّبوا الحديقة منذ سنوات ولن ترجع

جمهور الشعلان يعرفُ محلّ NBA المزيّف وينصح أطفاله بشراء كاسكيتات منه وأعلام للمونديل وكونڤيوس ملوّن

يحفظُ الناس أسعار الفواكه الموسميّة، يفاضلون بين أنواع الكمأة، يحبّون الوجوه البشوشة مهما فاصلتها

يُحبّ الناس ألوان المخللات ولا يشترونها، يعاينوها ويسألون عن قساوتها، ثم يشترونها من باب سريجة

يمشي الناسُ بلا هدف، يصطدمون ببعضهم، يقولون جميعاً “نزلت ع الشعلان” وكأنها قاع المدينة بالفعل

ينتهي في كلّ الأماكن بعد رمضان، إلا في الشعلان يبقى التمر هندي والعرق سوس مستمر، يتّسعُ الشارع بالإزدحام

الناسُ يُعلّقون صور الرئيس، ويحتفلون بالمولد النبوي، ويشترون شرطة المرور، ويوسخون وينظفون كل يوم

في الشعلان نحن لاننتظر أحد، لا نواعد أحد، المكان هو الناس، من كلّ الطبقات، هناك طبقة وحيدة تحبّ المكان

بعض الشباب يأتون زيارات من ألمانيا ليس لأجل عائلاتهم، يتواعدون في الشعلان، يشتهونها، يشتهون حياةً قديمة

وسيم السخلة
الشعلان 2023

دير مار موسى، سورية التي قد لا نعرفها!

الشمس عندما تدخل إلى الكنيسة في الدير

خلال الأيام الماضية اختبرت تجربة مختلفة عما نعيشهُ في حياتنا اليوميّة كسوريين، وفي سورية. تجربة متكاملة من الهدوء والتأمل والروحانيّة، أقول متكاملة لأنه هذه الصفات اكتملت بغنى هذه التجربة بالمحبّة!

بدأت الفكرة من اختيار مكان لتوديع صديقنا المهاجر إلى جانب آخر من الأرض، إلى الولايات المتحدة سيهاجر صديق لطالما قضينا معاً ساعات طويلة من حوارات في أيام الحرب وأيام السلم وأيام القسوة التي نحاول عيشها اليوم، ستتوقف ربّما هذه الحوارات العميقة والتي كنّا ننطلق فيها لمكان مختلف عن تلك الحوارات التي نخوضها يوميّاً، لقد قررنا أن نودّع هذه اللحظات في مكان ليس له مثيل في سورية، إنه دير مار موسى الحبشي في القلمون وسط سورية.

في الأوتوستراد الدولي بين حمص ودمشق تقع مدينة النبك التي تتبع إدارياَ لمحافظة ريف دمشق، دخلنا هذه المدينة الجميلة الأنيقة وخرجنا شرقها نحو البادية.. بدأت سورية الأخرى تظهر إلينا نحن أبناء المدن، صحراء، بادية، شول، عراء، تراب، لا أحد.. سمّها ما شئت، بدأت كلّ شيء يختفي فقط شعاع الشمس الآتي من الشرق، نسيرُ نحوه في مرتفعات ومنخفضات، منطقة قاحلة تماماً، أعتقد أنّ الليل يسكنها وحده، تنقطع فيها شبكة الاتصال، والانترنت، لا عواميد كهرباء ولا شارات طرقية، هناك بعض الطيور البريّة لكنها غير مرئيّة، فيما عدا ذلك مضينا عدّة كيلو مترات في العراء التام.

أراض واسعة، تتراوح ألوانها من السمرة وحتى السواد بفعل الظلال، طريق اسفلتي تشّقهُ الحفر أحياناً وتغير اتجاهه بعض الصخور الكبيرة، ويستمرّ هذا الطريق نحو العراق حسبما قدرنا، لكنّ انعطافة نحو اليمين تأخذك نحو جبلين، يُشير لي صديقي بأن: هل شاهدت الدير مقصدنا؟ أجيبه ب لا، فيقول لي: تماماً هذا ما أرادوه في البداية دير يختفي بين الصخور بشكل متقن، بني كبرج دفاعي روماني يعود للقرن الثاني الميلادي، وهو دير سرياني يتبع جماعة دير مار موسى الحبشي الرهبانيّة بحسب طقس الكنيسة السريانية الكاثوليكية. (هذا ليس مقالاً عن تاريخ دير مار موسى يمكنك إيجاد عشرات المقالات التفصيلية عن الدير وتاريخه وأبنيته في الانترنت)

نصل إلى بداية الدير، يُحيّنا جندي من الجيش، نسأله عن ركن السيارة ونحن نتمنّى أن ندخل بها بعض الأمتار، فالشمس حارقةً جداً، يشير لنا نحو الباب ويسألنا وضع الأغراض في سلّة حديديّة مربوطة بالأحبال إلى الدير(قاطرة معلّقة، تيليفريك)، الأغراض تصعد فيها، أما نحنُ فعلينا الصعود في درب حجري ومن ثمّ درجات.

مئات الدرجات المرهقة، تحت الشمس الحارقة، مئات الدرجات تقضيها في حالة من الدهشة، كيف يعيشون هنا!

عند الوصول يستقبلك المشهد الذي صعدّته، إنها لذّة الوصول بعد التعب، تحت قماش من الخيش تستريح على قواطع حجريّة وخشبيّة قبل الدخول للدير، باب الدير باب صغير لايتجاوز ارتفاعه نصف طولك، ومنه لباب مشابه، أبواب حديديّة قديمة أعدّت بعناية كمدخل للدير.

وصلنا في وقت الإفطار، استقبلتنا الجماعة التي تعيش في هذا الدير بالمياه الباردة، عفواً قبل المياه كانت الابتسامة، وكأنهم اعتادوا هذا الموقف، فأتقنوه.

من اللحظة الأولى سنشعرُ أنه مكاننا، استلمنا الغرف البسيطة، تعرّفنا إلى أماكن الخدمات، وفهمنا أين سنعيش الساعات القادمة، الكهرباء متوفرة دوماً، المياه الباردة والمغاور في الجبال والفسحات والمكتبة التي كلّ ما فتحت فيها باباً أخذك إلى مكتبة أخرى، لقد بُنيت هذه الغرف في الصخر، وعلى الصخر ولهذا ليس لها منطق هندسي نعرفه، بل حسبما أتاح تشكيل الصخور بنيت هذه الغرف والمساحات.

في الكنيسة التي تتوجه نحو الشرق حالة أخرى، مدّ عربي بسيط، شموع في كلّ مكان، أيقونات كتبت على الجدران يعود بعضها إلى ألف سنة مضت، صلات لثلاث مرّات باليوم، صلوات رقيقة جميلة دافئة، أنت غير مجبر عليها، لكنّك ستحبّ ذلك.

اثر كلّ صلاة: كلام جميل، وعبر للحياة وحوار ممكن، وتأمل طويل.. ساعة صمت مسائيّة يمتنع فيها كلّ الدير عن الكلام، لكنك تشعر فيها بأنّك تحكي كثيراً والسماء تسمعك، طاقة كبيرة يركزها التأمل أمام عينيك، وفيك.

المشاعر بالدير هي مشاعر البيت، ما إن تدخل حتى تصبح جزءاً من المكان، تتحرّك فيه بسهولة، القواعد بديهيّة ومحدودة، الكل موجود ليساعد الكل، يمكنك التأمل، الصلاة، الكتابة، العزف أو الاستمتاع بالموسيقى، التفكير والنوم والتخطيط والقراءة، هناك غرف هادئة ومعزولة تماماً للقراءة، ومكتبة غنيّة بآلاف الكتب المتنوعة.

وجبات الطعام بسيطة وغنيّة وصحيّة ولذيذة، تُصنع كأنها في المنزل، يمكنك أن تساعد فيها أيضاً، الدير أنيق ونظيف ومرتب وعليك أن تساعد في ذلك أيضاً، الرهبان لطفااااء جداً يجيبونك عن كلّ شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً عنهم وعن ما يعرفونه.

الأماكن كثيرة، متاحة، وعلى الجبل الآخر الدير الحديث أو المكان المجهز بالغرف والقاعات وهو الأحدث نسبياً وفيه غرف للمنامة وقاعة متوسطة للمؤتمرات وقد غلب عليه الطابع القروي، حتى أنّ مداخل الأبواب والشبابيك قد تمّ احضارها من بيوت تقليدية قديمة ربّما حلّت محلها الأبنية الحديثة.

بين الجبلين أو بين القمتين جسر حديدي وتحته وادي يمتلأ بالمياه وقت السيل أحياناً، في الخلف حاولوا بناء سدّ للمياه فغمر الوحل السد وظهرت أرض جديدة زرعت بالزيتون، حاولوا زراعة عشرات الأنواع المثمرة وقد كانوا يربون الحيوانات لكنهم توقفوا مؤقتاً..

لقد عانى هذا المكان من الإهمال خلال ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، وأي زائر سيلاحظ تشوّه الوجوه في الأيقونات التاريخيّة المكتوبة على الجدران، حتى بدأت في الثمانينيّات جهود من الراهب اليسوعي باولو دالوليو الإيطالي لإعادة الألق للمكان وحوله إلى منارة ومركز لحوار الأديان وأجرى فيه كثير من الحوارات الدينية الإسلاميّة والمسيحيّة، وصار الدير مقصداً للآلاف على مدار عدّة عقود يرغبون بعيش التجربة لأيام أو يقيمون عزلتهم او تدريباتهم أو خلواتهم وصلواتهم وحواراتهم في الدير ومطارحه.

اليوم يعيش في الدير عدّة رهبان وراهبات اختاروا البقاء هنا ويتابع أغلبهم دراساته الدينيّة في إيطاليا وغيرها، ويرتبط الدير بأديرة أخرى، وعندما زرنا الدير كان هناك بعض المقيمين من الإيطاليين الذين جاؤوا لاختبار هذه التجربة كما جاء المئات قبلهم من مختلف دول العالم.

الدير ليس مكاناً للاصطياف أو التسلية بل هو مكان للتأمل والعزلة، وهو متاح لأي كان مهما كان انتماءه الديني أو الطائفي، لا أجور إقامة وإنما تبرعات تضعها في صندوق عتيق بحسب قدرتك، للوصول إلى الدير عليك التوجه لبلدة النبك في ريف دمشق، ويمكن الوصول إليها من دمشق من كراجات العباسيين بواسطة الميكرو سيرفيس (2000 ليرة سورية) ومن النبك عليك إيجاد سيارة أجرة نحو الدير.

لأن الكثيرين يسألونني كيف، فإن الاتصال واخبار الجماعة الرهبانيّة بأنكم قادمون هي الطريقة الأنسب، لايوجد تغطية موبايل في الدير وعليكم الاتصال على الرقم الأرضي: 0117877199

هذا الدير هو جزء من سورية التي قد لا نعرفها، أشجّع كلّ المهتمّين بشدّة على زيارته واختبار هذه التجربة!

وسيم السخلة
صيف 2022

الحريّة الافتراضية ورُهاب وسائل التواصل الاجتماعي

هل خلقت وسائل التواصل فرص متساوية مريحة للتعبير؟

تبدو الاجابة البسيطة على هذا السؤال نعم، يمكن لأي شخص اليوم أينما كان أن يُنشأ حساباً وصفحات ومجموعات متعلّقة ويبث محتوى غير محدود. لكنّ إعادة التفكير في السؤال تضع مجموعة من الاعتبارات قد تجعل الإجابة مختلفة!

 

وهم الحضور المستمر

يفترض الكثيرون أنّ وسائل التواصل هي البديل الكامل للصحافة والاعلام والنشر، وهم يعتقدون بالفعل انهم مرئيّون للملايين، لكنّ الحقيقة أنّ هذا مجرّد وهم، فالمحتوى في هذه الوسائل يختفي تدريجيّاً نظراً للكمّ الهائل وقد تتراجع النتائج عن فكرتك لتسبقها ملايين النتائج عن كلمات متشابهة، وقد تختفي منصات بكاملها وتذهب فيها كل تجارب المشتركين بلا رجعة مثل موقع مكتوب، لابدّ أنّ الأوائل في الانترنت العربي كانوا يعرفونه جيداً.

 

المحتوى الاحترافي مدفوع!

في الماضي كان الناس يستكتبون الصحافيين والكتّاب حول تجارتهم ومصانعهم وحتّى أفكارهم ورغم غياب الكليّات والمعاهد الصحافيّة أو ندرتها فقد كان الإنتاج أكثر وضوحاً ومباشرة وبساطة، ولكم أن تراجعوا أرشيف أيّ صحيفة من مئات الصحف التي كانت تصدر في بلادنا في الخمسينات مثلاً لتتبيّنوا مواداً صحافيّة بسيطة تُشبه الناس أكثر ولا تكاليف فيها.

اليوم كُل شخص بات صحافيّ نفسه، فنجدُ أصحابنا وهم يحاولون شرح أفكارهم العلميّة مثلاً بصعوبة، أو نجدُ السياسيين يصرّحون تصريحات مضحكة وكذلك الأكاديميون يكتبون فيتفاعل معهم الآخرون بالضحك ونجد رجال الدين يحكون قصصاً ويردّون ويتناحرون دون وضوح في الأفكار وفي عالم من الفوضى، بعض هؤلاء فقط أدرك أنّ الكتابة والصحافة هي حرفة وبدأوا بالاعتماد على بعض من يُساندهم وهنا وقعنا في طامّة جديدة..

انتشرت وكالات التسويق الاحترافيّة لوسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، وهذه الوكالات (أو الأشخاص) مهمّتها زيادة الوصول والإعجاب والأرقام، فهي ليست وكالات إعلاميّة ومعظم من يعمل بها درس التسويق القادر على جذب المتابعين والتأثير فيهم ولكن ليس تحريكهم ايجابيّاً، على العكس هذه الطرق الاحترافيّة التي يعمل ضمنها المسوقون تشجّع على الكسل الفكري وتدفع الناس لأخذ مواقف وإعادة أخذها في وقت كانت هذه المواقف تحتاج وقتا مناسباً للتشكل في مدارس ومكتبات ومع آلاف الصفحات، فما أسهل اليوم أن تجد صديقك وقد أصبح يساريّاً فجأة أو جارك وقد اتخذ أقصى اليمين في قضيّة شائكة يعرف خبراً عنها أو قرأ عنها منشوراً مع صورة ضاحكة!

 

جمهورك يسأل عن لون عينيك!

لقد كان الصحافيون وهم من أكثر الفئات تأثيراً نادري الظهور، فلا تظهر صورهم إلا قليلاً وكان هناك مقالات تحرّك الآلاف دون أن يعرفوا عن كاتبها أكثر من اسمه، وربّما حاولت بعض الصحف وضع صور صغيرة لكتّاب الرأي إلى جانب عامودهم الصحفي لكنّ ذلك كان يحصل بعد عشرات السنين التي قضاها هؤلاء يكتبون آرائهم، لقد كانت الآراء مقبولة من المُخضرمين فقط وعلى الصحافيّين الجدد تجميع الأخبار والركض لحضور الأحداث على حسابهم الشخصي وكم كان الحصول على معلومة أو ملاحظة تفصيل ما أمر مُرهق ومُكلف!

اليوم لا يمكنك كثيراً ان تكون وهميّاً، إن حضورك مهم جداً وقد تحصل على آلاف المتابعين من وراء صورك الشخصيّة فقط أو لون عينيك، في المقابل يمكن أن تبقى تحاول أن تؤثر وتكتب لعشرات السنين دون أن يزيد عدد متابعيك عن العشرات فقط لأنّك غير مصنّف في سلّم المعايير الجماليّة التي هي معايير مفروضة بحكم العادة وهي متغيّرة من زمن لآخر، إنّ شكلك ولونك والماركات التي تلبسها أو تدعي لبسها قد يجعلك موثوقاً تماماً وقائد رأي لآلاف المتابعين في كلّ مكان.

 

لا أحد يُدقق وراءك

الجهل يُلغي الحريّة، لأنّ الحريّة تقوم على المعرفة، في وسائل التواصل الاجتماعي نتعرّض يوميّاً لمئات بل آلاف المعلومات والمواقف والأحكام والنظريات ونتائج الدراسات ولا يملك أحد الوقت والقدرة للتدقيق في كلّ ما يتعرّض له من معلومات، وربّما أعدنا مشاركة كثير من المعلومات المغلوطة دون قصد فباتت موثوقة للآخرين، وفي أكثر الأحيان يغلب تأثير الأخبار والمعلومات المضللة والمنقوصة لأنها تشعل الغرائز والاتجاهات (كونها مدروسة) ما يُشكّل لدينا مواقف تلقائيّة من بعض القضايا عن دون قصد، وما أكثر القضايا اليوميّة التي أصبحت عامّة، وبالتالي هنا فحرية وصول المعلومات هي حريّة وهميّة في كثير من الأحيان لأنها قابلة كثيراً للتلاعب.

 

تجميع المتشابهين

على الرغم من أنها فكرة طيّبة أن وسائل التواصل تساعد الناس على تجميع بعضهم في مجموعات أو ضمن صفحات معيّنة لكنّ هذا يزيد من تكتل المجموعات والأفراد حول أفكارها ويولّد تلقائيّاً جدران فاصلة بحسب الاتجاهات من قضيّة معيّنة، ويبدو هذا أمر طبيعي لكنّ الأمور لاتقف هنا، بل مع كلّ موقف تربح عدّة تصنيفات لن تستطيع أن تخرج منها مهما حاولت، فالناس يصنفون بعضهم في مجموعات غير قابلة للتفكيك، مثلاً اذا كنت تدعم البيئة والنباتات فلا بدّ أنّك تدعم قضايا المثلية الجنسية وهكذا، يرفض الناس التعامل مع الأفراد بأفكار محددة بل يطمئنون إلى تصنيفهم.

 

أنت مُهدّد دوماً

في لحظة ما قد تتحوّل لأضحوكة، قد ينشر لك أحدهم صورة قديمة في المدرسة، قد تجري مقابلة عرضيّة في الشارع وقد تشارك منشوراً خاصاً أو صورة شخصيّة تتحول فجأة لتكون مادّة للتنمّر والاستهزاء، وكثيراً ما تكون الأسباب معدومة وغالباً السبب الأساسي هو قلّة التربية لدى البعض التي تجعل من أيّ محاولة تنمّر محاولة ناجحة لتجميع الاعجابات والوصول أكثر، وهذه اللحظة التي قد تتحوّل فيها إلى حديث العامّة هي ذات اللحظة التي يجد كلّ شخص على الكوكب نفسه معنيّ بالتعليق عليها، واذا حاولت الهروب من هذه المواقع سيجدونك في الطرق وسيحاولون إعادة الكرّة لأنّك في لحظة ما كنت مادّة خصبة لقلّة أدب البعض وسذاجتهم.

 

عليك أن تدفع لتصل

في بداية انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كانت منشوراتنا تصل بشكل كامل تقريباً لمتابعينا، ومع الوقت قلّلت كثير من الشركات نسب الوصول تدريجيّاً بغية حثّ المشتركين على الدفع مقابل وصول منشوراتهم مع مميّزات تفضيليّة لاختيار القطاع الجغرافي والجنس والعمر والاهتمام وغيرها، اذاً اليوم لا تستطيع الوصول بصفحة مهما كان محتواها إلا لنسب محدودة جداً جداً من متابعيك أصلاً دون أن تدفع ولا تنسى هُنا أنّ كثير من الشعوب اليوم معاقبة فلا تسطيع الاستفادة من هذه الخدمات ولو خصصت جزءاً من أموالها للوصول لجمهورها الذي تفاعل معها أصلاً، أي أنّ هذه المواقع رغم أن لك جمهور يتابعك تعود لتأخير ظهورك أمامه حتى دفع الأموال.

 

أنت مُحاصر بالتريندز!

في التحوّل لشخصيّة نشطة على وسائل التواصل أنت مطالب بأن يكون لك آراء في كل شيء يحدث في هذا العالم، وفي كل شيء لم يحدث بعد أيضاً، أنت مجبر، الجمهور ينتظر، لايهم رأيك بالفعل حيث سيقف البعض معك والبعض ضدك المهم أن تشارك موقفاً، ولن يتمّ أخذ موقفك بشكل شخصي، بل سيُسحب موقفك على المكان الذي تعمل فيه أو تنشط فيه أو على الديانة التي تعتنقها وربّما على البلدة التي ولدت فيها، لن تنجو!

 

فرصتك محدودة

أغلب الناس لاتضغط “عرض المزيد” وبالتالي لديك بعض الحروف المحدودة وربّما جملة أو جملتين، ولايتعلّق الأمر باحترافيّة كتابة هذه الجملتين لجذب المتابعين بل هي سهولة التجاوز ومزاج الجمهور، في أيام الصحافة الورقية كان يبقى الموضوع أمامك وقد تعيد قراءة الصحيفة والمجلّة عدّة مرات انت وأفراد أسرتك أو زملائك في العمل وقد تتناقشون حول نفس المادة الإعلامية، أما على وسائل التواصل فأنت معرّض لمواد ومنشورات مختلفة عن تلك التي يتعرض لها ابنك أو صديقك أو حتى زوجتك وبالتالي سيكون النقاش غير فعال ولو كان عن نفس الموضوع كون كل منشور يقدم بطريقة الجهة التي تصدره وليست القصة حول مضمونه فقط، هناك سياسات تحرير تجعل من ضعف خصوبة طائر اللقلق مسألة متعلقة بحزب سياسي ما.

 

عليك منافسة التفاهة

نعم في وسائل التواصل تنافس منشورات حول إطلالة الفنانين أو قياس شورتاتهم مقالات عن الاحتباس الحراري أو زلزال أو كارثة أو حرب كاملة، ليس هنالك من تصنيف أو ترتيب، قد تستيقظ يوماً وتجد الناس متضامنين مع الحرائق في غابات بلد لايعرفونه وقد تجد أخباراً حول كوارث طبيعية خطيرة في بلدهم لايعرفون عنها شيئاً، في بعض الدول قد تتابع مئات الأخبار حول تغريدات أحد السياسيين والتي قد يعود ليقول أن ابنه كتبها حين كان يلعب بالهاتف في الصباح، إنه عالم كامل من تعميم التفاهة وينسحب هذا على بعض الكتب والمنتجات التي يتمّ الترويج المدفوع لها والتي قد يشتريها الملايين دون أن يكونوا قادرين على كتابة تقييم حقيقي لها لأنّ الموجة السائدة المدفوعة تعارض ذلك!

 

مواقف لم تختارها

اذا كنت شخصاُ عادياً أو معروفاً على السواء فالمتابعين وغير المتابعين لايتقبلون منك حريّتك ف التعليق او عدم التعليق، وقد يتمّ زجّ حساباتك في مسائل شائكة تجعلك مضطرّاً للتبرير أو الحديث عنها، وقد يتمّ اختيار صورة قديمة لك وأنت تلبس ألوان مختلفة لتجد الأخبار تقول أنّك تروج للمثليّة الجنسية وقبل أن يسألك الناس عن موقفك وأنت حرّ فيه مهما كان ستجد آلاف الشتائم وبعض الدعم وكثير من التكفير وربّما التهديدات في حال كنت تعيش في بيئة محافظة في بلادنا وحتى في البلدان الأوروبية هذه الأيام.

 

هناك حدود لكونك مناصراً لقضايا محددة

ولو كان هذا مفاجئاً لكن هناك حريّة وهميّة في بعض القضايا الأساسيّة، مسألة دعم الحقوق وفلسطين مثلاً قد تكون انتهاك لمعايير المجتمعات في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يخطر لك أنّ هذا فقط يحدث تجاهنا لكنه يحدث تجاه كلّ الشعوب التي لديها قضايا ولكننا اصطدمنا بهذه التهم على شكل انتهاكات وكم من حسابات جادّة وصفحات كبيرة أغلقت في هذه التهم، وجاء النزاع الروسي الاوكراني فجأة ليجعل من طرف ما مع كلّ حساباته وصفحاته العامة موضع شكّ وتقييد واتهام.

 

خصوصيّتك مهددة دوماً

حماية الحسابات تبدو أكثر الأشياء التي تهتم لها الشركات التي تدير وسائل التواصل الاجتماعي، لكنّ الحقيقة أنّ الحسابات الموثّقة يدفع مقابلها البعض سواء من خلال الشركات الوسيطة أو بطرق أخرى، ولو كانت الشركات جادّة في حماية الخصوصية لجعلت مسألة التوثيق متاحة لجميع المشتركين، في أي وقت من الأوقات قد تجد رسائلك الشخصيّة منشورة وخاضع أنت للابتزاز حولها وكذلك المعلومات التي تتبادلها عبر الحسابات أو حتى الروابط التي يتمّ ارسالها من خلالك للآلاف لاختراق حساباتهم، نعم هناك توعية رقميّة تقلل جداً فرص حصول هذا ولكن من حوالي ملياري مستخدم لفيسبوك كم مستخدم لديه هذا الوعي الرقمي؟

 

فجأة قد تُصبح مُداناً

انتشرت في السنوات الأخيرة بعض القضايا التقدميّة التي تحمّس لها كثير من ناشطي المجتمع المدني والسياسي حول العالم، وبالطبع وجدت هذه القضايا مناصرين وعانى منها ضحايا في بلداننا فأخذ الكثيرون تدريبات وحاولوا تطوير أفكارهم حول قضايا محددة وأخذوا ينشطون فيها في مجتمعاتهم، ولاريب أنّ بعض الأمور كان يعاقب عليها القانون قبل عقود أصبحت اليوم حقوقاً، المشكلة هنا أن كثير من المستخدمين وقد يكونوا من الأكاديميين ومن أصحاب التغيير في العقود الماضية فاتهم قطار هذه القضايا ولم يتعرضوا لتجارب أو خبرات لتطوير مهاراتهم فوجدوا أنفسهم فجأة مُدانين ببعض القضايا التي تخصّ الحقوق والكراهية ليسوا لأنهم كذلك يعتقدون بل لأنهم لم يلاحقوا ماحصل في السنوات الأخيرة، فجأة وجد هؤلاء أنفسهم موضع اتهام وإدانة وربّما عملت مجموعات كاملة على التبليغ عن حساباتهم ومنشوراتهم. بالطبلع هذا لاينفي الجانب الإيجابي لتشكل مجموعات ضغط لصالح حقوق كثير من الفئات وإنهاء الانتهاكات بكل أنواعها تجاه هذه المجموعات.

 

أنت مراقَب وتحت الأنظار

الحكومات تتابع الناشطين، هذا لاينسحب على بلدان العالم الثالث بل على كلّ الدول، نعم أنت مراقب دوماً وهناك بعض الموضوعات لايُسمح بالخوض فيها تماماً، فالسلطات الدينية بالمرصاد وحتى العائلة وكم يتجنّب الكثير من الناس التعبير عن آرائهم قلقاً من وجود أفراد عائلاتهم في قائمة الأصدقاء ولو كانوا في دول بعيدة، أيضاً فإن حالات استدعاء الناشطين والتحقيق معهم ورفع القضايا عليهم باتت مسائل متكررة جداً في مختلف البلدان، وغالباً ما يفضل البعض إلغاء التعبير عن موقف أو سلوك عندما يعرفون أنّ التكلفة ليست قليلة وتشمل دعاوى ومحامين ووقت ولو كانوا على حق.

 

حرّاس المعبد الافتراضي

كما في كلّ مجتمع مجموعة من الشخصيات التي تسيطر على الفنون والأكاديميا والرياضة مثلاً فكذلك وسائل التواصل، لكل مجتمع او موضوع مجموعة من “حراس المعبد” الذين يتولون السيطرة على الأخبار ولو لم نلاحظ ذلك ويتولون التعليق عليها وتوجيه دفتها في الاتجاه المناسب لهم، وهؤلاء في الغالب لا يعملون لحسابهم بل لحساب أطراف ومشغلين محليين أو عالميين وهنا ليس تعميماً لنظريّة المؤامرة لكنّ هذا يحصل باسم التأثير والقضايا وكثيراً ما نجد هؤلاء “حرّاس المعبد الافتراضي” مكرّمين من منظمات دولية أو سفارات أو حكومات نظراً لجهودهم في الترويج لقضايا معرفة وأخرى غير معروفة.

 

كلّ هذه الاعتبار تعيد السؤال للبداية، هل هناك حريّة وفرص متساوية للتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل هذه الاعتبارات تساعد على فهم معاناة الآلاف من رُهاب وسائل التواصل الاجتماعي فيكتفون بالإطلاع ويخافون من المشاركة أو دعم قضيّة أو التعبير عن آرائهم؟

نحن بحاجة لإعادة التفكير في هذه الاعتبارات ولو على المستويات المحليّة لكي لايفقد الإعلام الجديد دوره في الأخذ والرد بين الأطراف وكونه باتجاهين ولا يعود كما كان الاعلام التقليدي اتجاه واحد موجه بشكل كامل.

 

وسيم السخلة

دمشق – أيار ٢٠٢٢

الناعم هويّتنا في سورية، وغربتنا خارجها

عندما تقرر أكل الناعم، أنت تلقائياً تُقبلُ على رحلة مجهولة النهاية، فيها شيئ مؤكد وحيد، أنها سعيدة

تخيّل وأن تمسك شيئاً تعرفُ أنه سينكسر، سيملئ أصابع يديك بالدبس، وسوف لن تعرف أن تقسّمه كما تفعل مع الخبز أو مع الكعك، فقوّة وهشاشة الأجزاء في رغيف الناعم غير متساوية، بالتالي فأنت عندما تقسمه لنصفين قد يقسمُ نفسه لعشرة أجزاء، واذا قررّت أن تأخذ كسرة صغيرة قد تجد ثلث رغيف بين يديك.

العشوائيّة التي يشكلها الناعم في ارتفاعه وانخفاضه كأنها صحراء لحقتها عاصفة بالأمس، أما سيول دبس العنب أو دبس التين، أو دبس الخروب، فعلى اختلاف ألوانها وكثافتها تجري كأنهار وسيول، وقد تشكّل بعض التجمعات القاتمة، وأنت تأكل الناعم قد تجد واحة من الدبس، فإذا وصلتها وجدّتها واحة بالفعل وليس وهماً كما يحدث في الصحراء.

الناعم مرتبط بالجماعة، في ذات الوقت هو مأكول فرديّ، ولا أدلّ على ذلك إلا فكرة أكله رغم الشبع، حيث يسعى كلّ فرد لاقتطاع حصّته وعدم التأجيل، لأنهُ يعرفُ مسبقاً أن فرداً آخر من العائلة سيقضي على حصته ولن تفيده أي معاهدات سابقة تسري على باقي الحلويات أو الفواكه، أو حتى تلك العادات الإجتماعية، سيأكلون رغيفك ولو كنت أنت الأب.

ليس للناعم قياس واحد، ولا لون واحد، ولا سعر واحد، كما أنه ليس له ارتفاع معيّن وبالتالي فقد اخترعوا علباً للفلافل حتّى، ولكنهم عاجزون عن اختراع علبة للناعم، ليس للناعم تاريخُ صلاحية لأنه لايبيت أصلاً، فلا بسطة ناعم إلا وتنفّق ماعندها قبل الفطور، ولا منزل يبقى فيه الناعم أبعد من أذان العشاء، الناعم بعد الفطور سلعة مفقودة لاتجدها في الأسواق ويخبّئها الناس أمام زوارهم، ويبقون قلقين من أن يتسلل أحد أولادهم للمطبخ فيرى الناعم فوق رؤوس الفرن، غير قابل للاختباء في خزانة أو براد.

الدبس فوق الناعم هو لوحة تشكيليّة، يستحيلُ أن تعاد مرّتين، كما أنّ لكلّ بسطة طريقتها في وضع الدبس، فمنهم من يدوّر الشوكة الخشبيّة الكبيرة ومنهم من يأتي ويذهب بها بشكل متوازي، ومنهم من يقاطع الخطوط كشبكة ومنهم من اخترع طرقاً سريّة أخرى بحيث يقنع الشاري أن الرغيف ممتلئ وأن زيادة الكميّة تزيد المرار وتُذهِبُ العقل.

القرمشة في نهش الناعم مسموحة، لاتشبه أي قرمشة أخرى، انها قرمشة ذات صوت منخفض، ناعم، يتضائل تدريجيّاً حتى يختفي ويختفي معه همّ صاحبه وتذمّره، فتجد الجميع بعد أكل الناعم لايفكرون في شيء، بل تتشكّل أماهم شلالات بألوان العسل وتنبسط أمامهم سهول صحراويّة مذهّبة رائعة لايشعرون فيها إلا باللذة وينسون معها عذابات الصيام.

هناك اعتقاد قديم أنّ الناعم كان تحليةٌ للنخبة من رجال الامبراطوريات العظيمة، وهو الذي مكنهم من المحافظة على قوتهم وذكائهم وهو سببُ انتصاراتهم في المعارك وغرف النوم، وهو سبب الخصوبة والحياة والمستقبل والمتعة الأصليّة، جرّب تشارك هذه الكذبة مع أحد يأكل الناعم، لن يناقشك بالطبع لأنه أرضى غروره للتو ببعض الناعم.

أما المغتربون، فهم لايشتاقون في الحقيقة إلى الناعم، بل يشتهونه، ولايشتاقون إلى تصبّغ أصابعهم بالدبس فقط بل يبكون لأجل ذلك، لم تعوضهم كلّ المحاولات الفرنسيّة والبلجيكيّة في انتاج حلويات اللذة، كما لم تعوضهم الأوروبيات عن بنات البلد، فتجد أخواتهم وأمهاتهم يقضون قبل الظهر في مجموعات الفيسبوك النسائية وبعد الفطور يذهبون للتراويح لمعاينة الفتيات فيعدن إلى الواتساب لوصف العروسات المتوقعة لأبنائهم.

هكذا هو الشرق، ناعم في رمضان

وسيم السخلة، رمضان 2022

رحل يزن كرنبة.. وبقيت دروسه

رحل يزن كرنبة.. وبقيت دروسه
افتتاح المهرجان الرابع للمسرح التفاعلي في سورية

تحيّة إلى يزن كرنبة – شبكة الأقران الشباب – سورية

كان يمكن لهذه الكلمة أن تكون مجرّد تقديم وترحّم، لكن أسئلة البعض ممن لايعرفون يزن عن كل هذه المحبّة وهذا الاحترام دفعنا لنتشارك بعض الدروس التي نظّرنا لها كثيراً.. فأتقنها يزن وبات ملهمنا فيها..

حافظ يزن على كونه شخص عادي

عبرنا مع يزن في كثير من الفرص المشتركة، في بعض الأحيان كنّا كلما عبرنا فرصة نتغيّر، وهذا شيء ايجابي.. ولكن للأسف كنّا نبتعد أكثر عن تركيزاتنا، فنعيد استخدام مصطلحات جديدة أو معرّبة أو أجنبيّة فنبتعد عن الآخرين.. كان يزن أكثر قرباً للناس والمحيط في خطابه ومنطقه، كان يشبه السوريين أكثر كلّ يوم

بقي صديقاً للجميع

في زحمة ما يحدُث للكيانات التطوعية في سورية من انقسامات وشلليّة – لم ننجو منها بالطبع – بقي يزن محافظاً على شبكة علاقاته، قريب من الجميع، في قلب التأثير.. بعيد عن الاصطفافات في نفس الوقت، لنتخيّل كم كان هذا صعباً ومعقداً!

الحُبّ في الخدمة

كان يزن يخدم الناس بحُبّ.. ولهذا نجدهُ مع عدّة فرق ومؤسسات.. في عدّة أماكن.. مع الأطفال، الكبار، الجرحى، الأولمبياد الخاص.. يخدُمُ بابتسامة في كلّ مكان، وكان نادراً ما يسأل عن المنفعة، كان يكفيه الفرح دوماً.

يزن شخص منتمي

على الرغم من تواجده في عدّة كيانات مجتمعيّة، وعلى الرغم من تبدّل أدواره وعدم رضاه دوماً عمّا كان يحدث بقي يزن منتمياً.. كان يدرك أن شؤون الشبكة الداخلية خاصة بالأعضاء واختلافه معهم لم يعني يوماً مقاطعة المسؤوليات التنظيميّة.. بقي يزن منخرطاً في قضايا الشبكة ومنتمياً لها.. عندما كان مستفيداً وعضواً ومسؤولاً وحتى عندنا عاد عضواً فيها..

علّمنا الإلتزام

تولّى يزن مسؤوليات مختلفة.. صغيرة وكبيرة.. التزم في اتمامها ولو كان ذلك على حساب ظهوره وعلى حساب وقته وجهده.. أخلص يزن لنا وللمهام التي تولاها.. تواضع في كلّ ما استلمهُ وأداره.

بقي لطيفاً مهذباً
هل اكتسب أحدنا كل هذا الاحترام وهذه المحبّة؟

حافظ يزن داخل وخارج الشبكة.. في العمل.. في الكشاف.. في الجامعة.. وفي سورية ولبنان حيث أقام فترة على اللطف والتهذيب.. أحبّ الجميع وأخلص لهم.. اطمئنّ علينا جميعاً وهو في أعقد ظروفه.

الناس لأجل الناس

جرّبوا أن تفتحوا المحادثات مع يزن.. ستجدونها مليئة برسائل الطلبات والمساعدة للآخرين.. كان آخر من يطلب لنفسه.. اهتمّ بمساعدة الناس بأي طريقة وبقدر ما يستطيع.. عمل مع الناس لأجلهم لا لأجله.

روّج للأمل!

في زحمة هذا الألم الذي يحيط بالسوريين التقط يزن أيّ اشارة مهما كانت صغيرة لينشر الأمل والتفاؤل والرضا.. تعرفهُ جيداً نشرات أحلام صغيرة وتعرفهُ محاولاتنا البسيطة جميعاً.. لقد تبنّى كلّ أحلام أصدقائه.

لم تفارقهُ الإبتسامة.. نحنُ على ثقة أن يزن رحل راضياً..مبتسماً

هو حلمٌ لنا جميعاً أن نترك كلّ هذا الحُبّ وهذه المحبّة خلفنا.. نحن الراحلون دوماً

وسيم السخلة
عن شبكة الأقران الشباب في سورية
‎18-12-2021 مسرح مدينة الشباب بدمشق
*توفي يزن في تموز 2021 بعد أن صدمته سيارة في دمشق

10 ملامح سلبيّة رافقت المجتمع المدني السوري في العقد الماضي!

نما (ربّما نشأ من جديد) المجتمع المدني خلال العقد الماضي بشكل كبير في سورية، وبعيداً عن جدليّة التسمية فإننا نعني هُنا مختلف الكيانات المجتمعيّة والمبادرات والفرق والجمعيات والمؤسسات المرخصة وغير المرخصة في مختلف الجغرافيات داخل وحول سورية.

بالطبع كان للمجتمع المدني أدوار كبيرة وهامّة جداً لتحسين حياة السوريين خلال العقد المأزوم والمعقّد، نودّ هُنا تدوين بعض الملامح السلبيّة علّها تكون دروساً مستفادة للعمل المدني السوري في قادم الأيّام

الوكالات الحصريّة

تعتقد بعض المجموعات أنّ موضوعات وقضايا معيّنة واحتياجات أساسيّة العمل عليها حكر لها، ولايجوز دخول لاعبين جدد لسدّ الإحتياجات أوالعمل في هذا المجال، إلا من خلال الانضمام لهذه المجموعات أو العمل بإدارتها، من منطلق سخيف بأنهم من عملوا أولاً على ذلك وربّما لسنوات متعددة.

مع السوق منسوق

لايتوقف أفراد ومجموعات عن ركوب الأمواج المدنيّة الجديدة، التي تجتذب التمويل والاهتمام، بالطبع لايعني هذا تقييد حريّة الناشطين في الإنخراط بقضايا جديدة ولكنّهُ دعوة لأخذ القضايا بجديّة أكثر والتخصص لإغناء القضايا والأهداف، ودعوة لتجاوز السطحيّة المعرفيّة المفرطة هذه الأيام بين ناشطين كُثُر. (لاتناقض مع النقطة السابقة، إنّهُ خيط رفيع يجب إدراكه.

ديكتاتوريّة القُدامى، كهنة العمل المجتمعي

يلعب بعض الأشخاص أدوار الكهنة الذين لايتغيّرون (شباب وكهول على حدّ سواء!) وهم يُسيطرون على جمعيات ومؤسسات كبيرة ويديرون أصغر التفاصيل فيها لصالحهم ووفق أهوائهم ولمصالح عائلاتهم وربّما مؤسساتهم التجاريّة، إنّهم يلعبون بالإنتخابات كما يلاعب الأطفال مكعّباتهم، يدّعون قيماً ويتجاوزونها، إنّها تُعجب المانحين الذين أصبح موظفوهم شركاءاً لهم أحياناً!

دكّانة الحجّي

هذا النمط من الأعمال قد يشمل الأعمال العائليّة والمقصود به هُنا التحكّم وإدارة العمل بطرق قديمة تقليديّة، ربّما النوايا خيّرة وصادقة إلا أنّ هذه الطريقة بالعمل تعتمد الولاء المطلق وتبدد الموارد ويحكمها الفردانيّة والشخصيّة والكلمة الواحد التي لايجب نقاشها لصاحب العمل/المؤسسة الكبير، إنها نموذج موازي للورشات الصناعيّة التي تبقى محلّها ولاتتطوّر بمرور الزمن وتنتهي بغياب أصحابها.

فزعة يا جماعة

تعمل كثير من المجموعات وفق مبدأ الحاجة الملحّة والإستجابة السريعة، وهذا مميّز مهم وأساسي إلا أنّ حالة المفاجأة المستمرّة والإندهاش المصطنع في ظروف متكررة تتحوّل إلى حالة لتضييع الموارد وغياب الشفافيّة والأرقام بحجّة الإستجابة، كما أنها تشمل فرص للتلاعب وتبييض الأموال وتلميع الشخصيات.

تمييع القضايا

يلجأ كثير من الناشطين للعمل في قضايا لايعتنقونها بالفعل، لأنهم ببساطة يحتاجون للعمل والأجور والإستمرار، هذا الأمر يجعل كثير من العاملين في القضايا لايعرفون عنها الكثير بل وتبدو تفسيراتهم متناقضة على الرغم من عملهم وفق نفس النماذج والأهداف إلا أنّ التنفيذ وفهم العمليات يكون مختلف تماماً ما يجعل النتائج متضاربة.

بعضها ليس إلّا مؤسسات حزبيّة!

من المفهوم انتماء ناشطين مدنيين لأحزاب سياسيّة هذا حق طبيعي، لكنّ انتماء كيانات مدنيّة تدعي الإستقلاليّة هو أمرٌ مريب، وقد نجدُ جمعيات ومؤسسات مدنيّة هي حزبيّة تعمل مع مستفيدي الحزب السياسي وعائلاتهم، بالتالي فهذه الجمعية تتموّل حزبيّاً وتروّج لأهداف الحزب/الحركة في أيّ منصات مدنيّة قد تناقش قضايا إنسانيّة.

نعمل مع جماعتنا فقط

للأسف درجت أعداد كبيرة من الجمعيات على العمل مع طوائف معينة أو في مناطق محددة، ليس من باب تقسيم العمل وإنما تقسيم الجماعات على أسس الانتماء السياسي والعرقي والطائفي والمناطقي في ضرب واضح لمبدأ العمل لأجل الإنسان الذي من المُفترض أن يكون بديهيّاً.

شغل بازاري

يُعرف الشغل أو المنتج البازاري بأنّهُ المشغول بلا اتقان وهو دوماً قابل للعطب وغير مفيد، يمتنع عنهُ الناس ولايُقدم عليه الحرفيين المعروفين، هذا في الأسواق التجاريّة، كذلك في المجتمع المدني السوري كثير من الخدمات المقدمة هي خدمات غير مفيدة ورديئة وقد تسبب مشكلات أعتقد من تلك التي تُحاول حلّها، ينسحب هذا على ما يُقدّم معنويّاً (بعض الدعم النفسي مثلاً) وفي المُقدَّمات العينيّة للمحتاجين!

نحنا غير انتو

تمتنع كثير من الجهات عن الإنضمام لشبكات أو مجموعات لتعزيز الوصول وزيادة الجدوى، فنجد مشاريع متطابقة مع نفس المستفيدين والسبب الإمتناع عن التنسيق والعمل المشترك خوفاً من انجذاب المانحين نحو جهة على حساب أخرى أو لغياب الثقة من أساسها، وربّما قلقاً من الشفافيّة والتغيير والجيل الشاب.

هذه الملامح ليست كُل شيء، هناك عشرات الملامح الإيجابيّة التي نفتخر بها ونعمل على تعميمها وتعظيم أثرها

وسيم السخلة

13/06/2021

« Older posts

© 2024 Waseem Al Sakhleh

Theme by Anders NorenUp ↑