كان جدّي العزيز جداً يُرسلني كلّ صباح لأشتري له الصحف اليوميّة المحليّة، كانت القاعدة أن أشتري ٢/٣ من الصحف الحكوميّة لأنه يعرف سلفاً تكراراتها. كما أشتري له صحيفة الاقتصادية الأسبوعيّة ومجلة أبيض وأسود والكفاح والمحرر العربي وغيرها من الصحف التي كانت ترضى الدولة عن توزيعها محليّاً والتي انضمت لها الوطن السورية في 2006. كان ينظرُ بقرف إلى سالب وموجب الفضائحيّة.

أيضاً كان أحد السائقين على خط بيروت – دمشق يُهرّب لجدّي بعض أعداد الصحف الممنوع بيعها محليّاً منها النهار وأعداد من البيرق والحياة والشرق الأوسط والسفير أحياناً وصحف أخرى..

ومازلتُ أذكر يوم بدأت صحيفة الدومري كيف أرسلني جدّي لاشتري 4 أعداد اضافيّة ليوزعها على ضيوفه، فقد فاجأتهُ جرأتها وقال يومها: انشالله يكفو هيك. لاحقاً تمّ ايقاف أعداد من الجريدة وسحب ترخيصها كما أذكر..

حديث الجرائد هذا كان في آواخر التسعينات وبداية الألفيّة، ولم تكن سنوات مثاليّة بالطبع لكن كان فيها بعض الأمل بالمستقبل والمشاركة، ما كنتُ ألحظهُ أنني بعد أن آخذ حصّة جدّي من الصحف كان صاحب المحل يحزمُ الأعداد كمُرتجعات، فهو يعرف زبائن الجرائد وكانوا يتناقصون باستمرار، وهكذا صار يحزمُ كلّ يوم عدداً أكبر ليُرجعه إلى مؤسسة توزيع المطبوعات صباح اليوم التالي، كانت المؤسسة تتركُ الصحف الجديدة أمام المحل وتأخذ المرتجعة باكراً قبل أن يفتح، كانوا مُطمئنّين أنّهُ لا أحد يسرقُ الصحف، لا أحد يهتم إلا وقت التعزيل، كان الجيران والأقارب يسألوننا عن جرائد قديمة لمسح البللور ووضعها تحت الطعام.

مع صحف جدّي تعرّفت إلى الصحافة، كانت زاوية قوس قزح للراحل وليد معماري وزاوية عادل أبو شنب أول عهدي بالقراءة الصحفيّة، كما كنتُ أنظر باحترام لتحقيقات جريدة الثورة في السنوات الأولى للألفيّة حيث كانت تحمل جرأة تسبقُ بها باقي الصحف المحليّة وكان كل أسبوع على الأقل هناك تحقيق استقصائي ضخم يُحرّك مياهاً راكدة.

على عكس ما يراهُ الناس عن تلك الحقبة -العقد الأخير قبل الحرب- كنتُ أشاهد صعوداً وهبوطاً في الصحافة المحليّة وليس صعوداً فقط، كانت بهدوء تتخلّى الصحافة عن أدوارها لصالح أخبار المسؤولين والمواد غير المُجديّة، حتى مرّة مرحلة كان التحقيق الصحفي فيها غائباً..

كُل هذه الذكريات أثارتها فيي هذه الصورة التي وضعتها غلافاً ل مدونة الشأن العام – سورية، كيف كان السوريون مشغولون بالمجال العام وكيف هُمُ اليوم مشغولون بالمجال الخاص، أحبُّ أن أُسهم في إعادة الإعتبار للشأن العام في سورية.

وسيم السخلة / دمشق